لأَخيه شفاعةٌ له عند الله تعالى، وهذه هي الشفاعة في الدُّنيا، والشفاعة في الآخِرة مَعروفة وهي الشَّفاعة العُظمى، وهذه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تَكون لأَحَدٍ سِواهُ.
فما هي الشَّفاعة العُظمى؟
الجَوابُ: هي أن الناس في ذلك المَحشَرِ؛ كما جاء في النُّصوص: حُفاة عُراة غُرل شاخِصةٌ أبصارهم أَفئِدتُهم هواءٌ، الشمس تَدنو منهم قَدْر مِيل، والعرَق يُلجِم بعضهم، لا يَلوِي أحَدٌ على أحَد، ولا يَستَغيث أحَدٌ بأَحَد، قال الله تعالى:{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}[غافر: ١٦]، فيَلحَقهم من الهَمِّ والكَرْب ما لا يُطيقون، فيَقول بعضُهم لبعض: انظُروا مَن يَشفَع لنا عند الله تعالى لنَستَريح من هذا المَوقِفِ راحة، فيَذهَبون إلى آدَمَ، ثُمَّ إلى نوح عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُم إلى إبراهيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ إلى مُوسى عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ إلى عِيسى عَلَيْهِ السَّلَامُ ولا يَحصُلون على شيء، ثُمَّ يَأتون إلى مُحمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - يَطلُبون منه الشفاعة فلا يَشفَع، فيَستَأذِن من الله تعالى أوَّلًا؛ لأن الملك عظيم والسُّلطان تامٌّ، فيَسأَل الله تعالى أن يَأذَن له بالشَّفاعة، فيَأذَن له، ثُمَّ يَسجُد عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلَامُ تحت العَرْش سُجودًا طويلًا طويلًا طويلًا؛ يَفتَح الله تعالى عليه فيه من المَحامِد ما لم يَكُن يَعرِفه من قبلُ، ثُمَّ يَشفَع إلى الله تعالى أن يَقضِيَ بين الخَلْق ويُريحَهم من هذا المَوْقفِ، فيَقبَل الله تعالى شَفاعته (١).
وهذه الشَّفاعةُ تُسمَّى الشفاعة العُظمي؛ لعُمومها وشِدَّة الحاجة إليها، ولا تَكون إلَّا للرسول - صلى الله عليه وسلم - كما قال الله تعالى:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}[الإسراء: ٧٩]، وسُمِّيَت كذلك؛ لأن هذا المَقامَ يَحمَده فيه الأوَّلون والآخِرون الذين
(١) أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}، رقم (٤٧١٢)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، رقم (١٩٤)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.