للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

و {عَالِمَ} كلها صِفة للمُنادى في قوله تعالى: {اللَّهُمَّ}، ولكنها نُصِبَت؛ لأنها مُضافة.

وقوله تعالى: {عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} الغيب: ما غاب، والشهادة: ما شُوهِد وحُضِر، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عالم الغَيْب كلِّه، وعالم الشهادة كلِّها؛ فإن الله تعالى لا يَخفَى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

واعلَمْ أن الغَيبوبة تَكون كلِّيةً، وتَكون نِسبيَّة، فالله تعالى عالِم الغَيْب كلِّيةً ونِسبيةً أيضًا، بخِلاف البشَر، فالبشَر لا يَعلَم الغيب، أي: ما غاب عنه سواءٌ كلِّيًّا أم نِسبيًّا؛ ولذلك لا تَعلَم ما وراء الجِدار، ولا تَعلَم ما في ضمير غيرك، ولا تَعلَم المُستَقبَل، بل وتَنسَى ما مضى، أمَّا الربُّ عَزَّ وَجَلَّ فإنه لا يَعتَريه شيء من هذا النُّقصانِ.

وقوله تعالى: {أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}: {تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ} أي: تَفصِل بينهم في الحُكْم، وذلك يوم القِيامة حين يَتَحاجُّ الناس عند ربهم يَختَصِمون، وقد بيَّن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَتيجةَ هذه الخُصومةِ بأن الخاصِم همُ المُؤمِنون حيث قال تعالى: {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: ١٤١].

إِذَنْ: فالخاصِم الغالِب همُ المُؤمِنون، إذ لم يَكُن سبيلٌ للمُشرِكين الكافِرين عليهم فهمُ الخاصِمون بلا شَكٍّ.

وقوله تعالى: {أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} يَشمَل الحُكْم في الدنيا والحُكْم في الآخِرة، أمَّا الحُكْم في الدنيا فإن المَرجِع إلى كِتاب الله تعالى وسُنَّة رسول - صلى الله عليه وسلم -، وأمَّا في الآخِرة فالمَرجِع إلى الله عَزَّ وَجَلَّ يَحكُم بينهم حُكْمًا جَزائيًّا كلٌّ بما يَستَحِقُّ.

<<  <   >  >>