للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ} المُراد بالعُبودية هنا العامة، فيَشمَل العبد المُؤمِن والعَبْد الكافِر، وقد قسَّم العُلَماءُ رَحِمَهُم اللهُ العُبودية إلى قِسْمين: عامَّة وخاصَّة.

فالعُبودية العامة هي التَّعبُّد بالقدَر أي: أنها تَتَعلَّق بالأَمْر القدَريِّ، يَعنِي: التَّذلُّل لقَدَره، فكلُّ مَن في السموات والأرض عبدٌ لله بهذا المَعنَى، ولا يُمكِن أن يَتَخلَّف عمَّا قَضَى الله تعالى عليه، كما في قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: ٩٣]، فهذه عُبودية تَتَعلَّق كما قُلْت بالقَدَر والقَضاء، فهي كونية في الحقيقة.

والعُبودية الخاصَّة هي التَّعبُّد لله تعالى بشَرْعه، وهذه خاصَّة بالمُؤمِنين الذين يَتَعبَّدون لله تعالى بشَرْعه.

وهذه الخاصَّةُ أيضًا فيها عِبادةٌ أخصُّ وهي عِبادة النُّبوَّة والرِّسالة، مثل قوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} [ص: ٤٥]، ومثل قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: ٣]، ومثل قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "أفلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا" (١)، والأمثلة كثيرة.

فمَحطُّ المَدْح من هذه الأنواع والأقسام: العُبودية الخاصَّة، أمَّا العُبودية العامة فلا يُمدَح الإنسان فيها؛ لأنها بغير اختياره، بل هو ذليل لله تعالى مُتعبِّد لله تعالى شاء أم أبَى.


(١) أخرجه البخاري: كتاب الجمعة، باب قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - الليل، رقم (١١٣٠)، ومسلم: كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة، رقم (٢٨١٩)، من حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>