وقوله تعالى:{مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} أي: في الذي يَختَلِفون فيه، وقد جاءت الآية هكذا:{مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}، وقد قال تعالى:{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}[الشورى: ١٠]، فيَشمَل ما يَختَلِفون فيه من أمور الدِّين وأُمور الدنيا أيضًا، فكل ذلك سَوْف يَحكُم الله تعالى فيه بحُكْمه العَدْل الذي ليس فيه حَيْفٌ على أحَد.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} من أَمْر الدِّين اهدِني لما اختُلِف فيه من الحَقِّ]، ولكنَّ هذا التَّقديرَ فيه نظَر؛ لأن المُراد بالآية: تَفويض الأمر إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، وشِكاية هؤلاء إليه: الذين إذا ذُكِر الله تعالى اشمَأزَّت قلوبُهم، وإذا ذُكِر الذين من دونه إذا هُمْ يَستَبشِرون. وليس المَقام مَقامَ دُعاء، وإنما كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقول هذا الدعاءَ في استِفْتاح صلاة الليل (١).
فائِدةٌ: المُضاف إلى الله تعالى قد يُضاف إلى الله عَزَّ وَجَلَّ إضافةَ خَلْق وتَكوين وقد تَكون إضافة تَشريف، فهنا قال تعالى:{أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ} فالعِبادُ عامٌّ، فإذا كان عامًّا صار المُرادُ الخَلْقَ والتَّكوين وإذا كان خاصًّا يَعنِي: أُضيفتِ العُبودية لشخص مُعيَّن أو لجماعة مَوْصوفين بصِفة فهذا للتَّشريف.
وفي قوله تعالى:{أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} عِندي في نُسخَتي (فِي) مَفصولة عن (ما)، وتُرسَم أيضا مُتَّصِلة على القاعِدة، فالقاعِدة أخيرًا: أنها مَفصولة، لكن لعلَّ القاعِدة التي عليها المُفسِّر هي في المُصحَف الأوَّل، يَعنِي: في القاعِدة الأُولى، وقد اختَلَف العُلَماء رَحِمَهُم اللهُ: هل تَجوز مُخالَفة القاعِدة العُثْمانية؟
(١) أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، رقم (٧٧٠)، من حديث عائشة - رضي الله عنها -.