الله تعالى بها العِباد، قال الله تعالى:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[الأنبياء: ٣٥].
وقوله تعالى:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} الاستِدْراك هنا يَعنِي أن هؤلاء الذين غُمِروا بنِعْمة الله تعالى غفَلوا عن المُنعِم بها وعن مُسْديها ومُوليها، فكانوا لا يَعلَمون شُكْر هذا المُنعِمِ، وكانوا لا يَعلَمون أيضًا أنها فِتْنة، بل يَأخُذ الإنسان النِّعَم على أنها أمرٌ طَبيعيٌّ ويَغفُل عن أن الله تعالى يَمتَحِنه بها.
قال رَحِمَهُ اللهُ: [{وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} أن التَّخويل استِدْراجٌ وامتِحان] {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ} أي: أكثَر الناس، وإنما عاد الضمير وهو غائِب على مَرجِعٍ غير مَذكور للقَرينة والسِّياق، ويُحتَمَل أن المُراد {أَكْثَرَهُمْ} أي: أكثَر بني الإنسان فيَكون الضمير هنا عاد على الإنسان باعتِبار المَعنَى لا باعتِبار اللَّفْظ.
وقوله رَحِمَهُ اللهُ:[أن التَّخويل استِدْراجٌ وامتِحان] إذا قال قائِل: بماذا نَعلَم أن التَّخويل استِدراجٌ وامتِحان؟
فالجَوابُ: نَعلَم ذلك لكون الإنسان مُصِرًّا على المَعصية ونِعَم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَتْرَى عليه، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}[آل عمران: ١٧٨]، فهذه هي العَلامة.
فإذا رأَيْت الله تعالى يُنعِم عليك وأنت مُقيمٌ على مَعصيته فاعلَمْ أن ذلك استِدراج، أمَّا إذا رأَيْت الله تعالى يُنعِم عليك وأنت قائِمٌ بطاعته فاعلَمْ أن هذا من زيادة فَضْله ونِعَمه، قال الله تعالى:{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}[إبراهيم: ٧].