قال رَحِمَهُ اللهُ: [{إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} مِن الله بأَنِّي له أَهْل] وهذا أحَدُ القَوْلين في الآية، والقول الثاني:{عَلَى عِلْمٍ} أي: على حِذق ومَهارة فيما فعَلت، والضمير يَرجِع إلى ما خُوِّل، أي: أُوتيت الذي خوَّلته، فالهاء في {أُوتِيتُهُ} يَعود على المُخوَّل.
ثُمَّ قال الله تعالى:{بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ}: {بَلْ هِيَ} هل يَقصِد المَقالة أو الحال؟
الجَوابُ: يُحتَمَل هذا وهذا، ويُحتَمَل أن الله عَزَّ وَجَلَّ إذا أَعطاهم هذه النِّعَم أَعطاه إيَّاها فِتنةً له، ويُحتَمَل أن هذه المَقالةَ فِتنةٌ له؛ ولكن المَعنَى الأوَّل أَقرَبُ: أن الله تعالى يَفتِن العبد بإزالة الضَّرَر عنه وحصول الخير والنِّعْمة، وكم من إنسان افتُتِن بنِعَم الله عَزَّ وَجَلَّ، فكان مُستَقيمًا وبالنِّعْمة يَنحَرِف، وفي الحديث أن الله تعالى قال:"إِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَوْ أَغْنيتُهُ لَأَفْسَدَهُ الْغِنَى، وَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَوْ أَفْقَرْتُهُ لَأَفْسَدَهُ الْفَقْرُ"(١)، فالله عَزَّ وَجَلَّ على كل شيء قَدير، وقد يَختار لعَبْده ما هو أَنفَعُ من حيث لا يَشعُر.
فالظاهِر أن المُراد: بقوله تعالى: {بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ} أي: بل هذه الحالُ فِتْنة، وهي تَخويل النِّعَم، وقد قال سُلَيْمانُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:{هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}.
قال رَحِمَهُ اللهُ: [{بَلْ هِيَ} أيِ: القَولة {فِتْنَةٌ} بليَّة يُبتَلى بها العَبْد] هذا ما جرَى عليه المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ أن المُراد بالفِتْنة: القولةُ التي قالها.
ولكن الصحيح: أن الفِتنة هي النِّعْمة التي أَعطاها الله تعالى إيَّاه، أو الحال التي كان عليها حينما كان قد مَسَّه الضُّرُّ، ثُمَّ رفَع الضُّرُّ عنه وأُبدِل بنِعْمة فهذه فِتنة يَفتِن
(١) أخرجه أبو نعيم في الحلية (٨/ ٣١٨ - ٣١٩)، والبيهقي في الأسماء والصفات رقم (٢٣١)، من حديث أنس - رضي الله عنه -.