للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لو قال للناس: (يا عِبادي الذين أَسرَفوا على أَنفُسِهم) فإنه لا يَستَقيم الكلام، ولكن المَعنَى: قل للناس. أي: أَبلِغْهم بأني أَقول: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}، وفي قِراءة أُخرى: (لَا تُقْنِطوا).

فإن قال قائِل: كيف يُبلِغ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قولَه تعالى: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ}؟

فالجَوابُ: المَعنَى هنا: قل مُبلِغًا عَنِّي: يا عبادي. فيَقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - مثَلًا: قال ربُّكم: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا}، فهذا كيفية إبلاغَ هذه الآيةِ.

وقوله تعالى: {يَاعِبَادِيَ} يَشمَل العِباد بالمَعنَى الخاصِّ، والعِباد بالمَعنَى العامِّ، يَعنِي: حتى الكُفَّار، يُقال لهم مثلُ هذا القولِ.

وقوله تعالى: {الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} أي: جاوَزوا الحدَّ في الرِّعاية على الأنفُس، والواجِب على الإنسان في رِعاية نَفْسه أن يَرعاها حَقَّ رِعايتها بحيث يَقوم بما يُصلِحها ويَتجَنَّب ما يُفسِدها، فإذا لم يَفعَل فقد أَسرَف على نَفْسه.

فالمُراد بالإِسْراف أنهم جاوَزوا الحدَّ في رِعايتها، وذلك بأن أَوْقَعوها في المَعاصِي أو جنَّبوها الطاعاتِ؛ مثال ذلك: رجُل سرَق، والسرِقة إسراف على النَّفْس؛ لأن الواجِب: حِماية النَّفْس من السرِقة، وكذلك رجُل شرِب الخَمْر، هذا إسراف على النَّفْس، وأيضا رجُل سجَد لصَنَم، فهذا إسراف على النَّفْس؛ لأنه مُجاوَزة للحَدِّ.

وقوله تعالى: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} القُنوط واليَأس مَعناهُما مُتَقارِب، لكنهم فرَّقوا بينهما بأن القُنوط أَشَدُّ اليأسِ، وأمَّا اليَأْس فمَعروف أنه عدَم الرجاء وعدَم الأمَل في حُصول الشيء؛ فقوله تعالى: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} أي: من رحمة الله لكم؛ فـ (رَحْمة) هنا مُضافة إلى الفاعِل، أي: من رحمة الله تعالى إيَّاكم.

<<  <   >  >>