للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتَكون الرحمة بأن يَهدِيَ الله عَزَّ وَجَلَّ الرجُل إلى التَّوْبة والاستِغْفار ويَتوب عليه، فأنت لا تَقنَط من رحمة الله تعالى لا بنَفْسك ولا بغَيْرك، ولكنِ افعَلِ السبَب؛ فلو قال قائِلٌ مُسرِفٌ على نَفْسه: أنا لا أَقنَطُ من رحمة الله. ولكنه يَفعَل المَعصية مُستَمِرٌّ عليها، نَقول: هذا غلَط؛ لأنك إذا استَمْرَرْت على المَعصية فأنت آمِنٌ من مَكْر الله تعالى.

وكلا الطَّرَفين ذَميم: القُنوط من رحمة الله تعالى، والأَمْن من مَكْر الله تعالى، لكن نَقول: افعَلِ السبَب ولا تَقنَط من رحمة الله تعالى.

قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [(لَا تقْنِطُوا) بكَسْر النون وفتحها، وقُرِئَ بضَمِّها] ففيها ثلاث قِراءات: قِراءتان سَبْعيَّتان وقِراءة شاذَّة ليست سَبْعية؛ لأن مُصطَلَح مُؤلِّف الجَلالَيْن رَحِمَهُ اللهُ إذا قال: (في قِراءة) فهي سَبْعية، وإذا قال: (قُرِئ) فهي شاذَّة، وإذا قال: بفَتْح وضَمِّ فهما سَبْعيتان، فهنا الآنَ قوله تعالى: {تَقْنَطُوا} في النون ثلاث حرَكات: (تقنِطوا) {تَقْنَطُوا} وهاتان سَبعيتان، و (تقنُطوا) وهذه شاذَّة، والقِراءة الشاذَّة لا يُقرَأ بها في الصلاة، لكن يُستَدَلُّ بها في الأحكام إذا صحَّتْ؛ وقال شيخُ الإسلام ابنُ تَيميَّةَ (١) رَحِمَهُ اللهُ: بل إذا صحَّتْ، فإنه يُقرَأ بها في الصلاة كما يُستَدَلُّ بها في الأحكام.

والفَرْق بين الشاذَّة والسَّبْعية أن العُلَماء رَحِمَهُم اللهُ اصطَلَحوا أن ما جاء عن طريق القُرَّاء السَّبْعة المَشهورين فهي سَبْعية، وما جاء عن طريقٍ آخَرَ، ولو صحَّ فهو عندهم شاذٌّ.

فالشاذُّ إِذَنْ: ما خرَج عن القِراءات السَّبْع، ولكنه يُحتَجُّ به في الأحكام، ولا يُقرَأ به في الصلاة إلَّا في رأْيِ شيخ الإِسلام ابنِ تَيميَّةَ رَحِمَهُ اللهُ فإنه يَقول: متى صحَّتِ


(١) مجموع الفتاوى (١٣/ ٣٩٢ - ٣٩٣).

<<  <   >  >>