فلا بُدَّ أن تَستَحِلَّه لأنه حمَل عليك في نَفْسه، وإن لم يَكُن علِم فأَثْنِ عليه في المَواطِن التي كنت تَغتابه فيها ويَكفِي. وهذا التَّفصيلُ جيِّد؛ لأنك لو ذهَبْت إليه وقلت: إني اغتَبْتُك. وهو لم يَعلَم أَنشَأْت في نفسه عليك ما تُنشِئُه، لكن إذا استَغْفَرت له وأَثنَيْت عليه في المكان الذي أنت اغتَبْتَه فيه حصَل المَطلوب.
مَسأَلةٌ: إذا سرَق مُسلِم من كافِر ولم يَعلَم به فماذا يَفعَل؟
الجَوابُ: إن كان الكافِر حَرْبيًّا فالمال له، وإن كان له عَهْد فإنه يُسلِّمه إلى بيت المال؛ لأن بيت المال يَتقبَّل الأموال التي لا يُعرَف مالِكُها، فإن لم يَكُن هناك بيت مال فلْيَتخَلَّص منه بالصدَقة، لكن الكافِر لا يُثاب على هذه الصَّدَقةِ إلَّا إن أَسلَمَ.
الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: إثبات اسمَيْن من أسماء الله تعالى عَظيمين يَقتَرِنان كثيرًا في القُرآن، هما:(الغَفور) و (الرَّحيم).
ووجهُ اقتِرانهما: أن بالأوَّل زوال المَكروه، وبالثاني: حُصول المَطلوب، فيَتَكوَّن من اجتِماعهما وَصْفٌ زائِد على الوَصْف عند انفِرادهما؛ لأنه إذا انفرَد (الغَفور) استَفَدْنا المَغفِرة منه وإن انفَرَد (الرحيم) استَفَدْنا الرحمة، لكن إذا اجتَمَعا استَفَدْنا فائِدة جديدة، وهي: أن مَغفِرة الله عَزَّ وَجَلَّ مَقرونة برَحْمته، فهو جامِع بين المَغفِرة والرحمة.
وهذان الاسمان من الأسماء المُتعَدِّية {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ} وأيضًا {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ}[العنكبوت: ٢١]، والأسماءُ المُتعَدِّية قال العُلَماء رَحِمَهُم اللهُ: لا يَتِمُّ الإيمان بها إلَّا بثلاثة أمور: الإيمان بالاسْمِ، والإيمان بما تَضمَّنه من صِفة، والإيمان بالحُكْم المُترَتِّب على تِلكَ الصِّفةِ، الذي يُطلَق عليه بعضهم: الأثَر.
فالإيمان بالاسم هنا (الغَفور) فنُؤمِن بأن الغَفور من أسماء الله تعالى؛ ونُؤمِن بأن لله تعالى مَغفِرة دَلَّ عليها اسمُ الغَفور، ونُؤمِن أيضًا بما تَضمَّنه ذلك؛ فإنه يَدُلُّ