ومنهم مَن قال: إنَّها لا تتعدَّى إلى فعل المخلوق وأنَّ المخلوق مستقِلٌّ بفعله ولا إرادة لله تعالى فيه. وهذا مذهب القَدَرِيَّة مَجوسِ هذه الأُمَّة.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إثباتُ الأفعال الاختياريَّة لله عَزَّ وَجَلَّ؛ لقوله:{لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ}، والأفعال الاختياريَّة لله ثابتة بالسَّمْع والعَقْل؛ أما السَّمْع فما أكثرَ الأفعالَ التي يُضيفُها الله إلى نفسه! وأما العَقْل فلأنَّ الفاعِلَ بالاختيار أكْمَل ممن لا يفعل.
وذهبت الأشاعِرَة وغيرهم من المُعَطِّلَة إلى أنَّ الأفعال الاختياريَّة لا تقوم بالله عَزَّ وَجَلَّ بحُجَّة أنَّ الفعل الحادِثَ يستلزِمُ حدوث الفاعل؛ ولا شك أن هذا قولٌ باطلٌ يستلزم لوازِمَ باطِلَة؛ منها: أنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى غيرُ قادر على الفعل، وهذا تنَقُّص لله عَزَّ وَجَلَّ وتكذيبٌ لأخباره الكثيرة التي لا تُحصَر في إثبات الفعل له.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: إثبات المشيئة لله عَزَّ وَجَلَّ؛ لقوله:{لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ}، والمشيئة نقول فيها كما قلنا في الإرادة، من حيث تعلُّقُها فهي تتعلَّق بأفعال الله، وهل تتعلق بأفعالِ المخلوقِ؟ على الخلاف السابق الذي شرحناه في الإرادة.
لكن هنا أمرٌ يَجِبُ التنَبُّه له، وهو: أنَّ الإرادَةَ تَنْقَسِم إلى قسمين: إرادة شَرْعِيَّة، وإرادة كَوْنِيَّة؛ أما المشيئة فهي قِسْم واحد فقط.
فالإرادة الكَوْنِيَّة: تُرادِفُ المشيئة فهي بمعناها، فإذا قلتَ:(ما أرادَ الله كان) فهو بمعنى: ما شاء الله كان.
أما الإرادة الشَّرْعيَّة: فإنها تُرادِفُ المَحَبَّة؛ أي إنها تتعلَّق بما يحبه الله عَزَّ وَجَلَّ، فتقول:(إن الله يريد منا أن نَشْكُره).