للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شيخِ الإسلام ابنِ تيميَّةَ رَحِمَهُ اللهُ في مَسأَلة مُعيَّنة فسَتَسْتَعرِض الفهرس، ثُمَّ يَمُرُّ بك مَسألة تَشوقك إلى أن تُراجِعها، فتَذهَب وتُراجِعها، ثُم تَترُك الذي كنت تُراجع من أَجْله، وهذا لا شكَّ أنه يَضُرُّ طالِب العِلْم، يُشتِّتُ عليه الفِكْر، ويُشتِّتُ عليه الوقتَ؛ لأن فِكْره أوَّلَ ما طالَع الكِتاب مُنصَبٌّ على المَسألة التي يَطلُبها، فإذا عرَضَت له هذه العارِضةُ واتَّجَه إليها وانشَغَل بها وهي ليسَت مَقصودةً له بالذاتِ تَشتَّتَ فِكْره، ثُمَّ يَتَشتَّت وقتُه أيضًا، فربما يَكون وقت مُراجَعته في خِلال ربُع ساعة، فتَذهَب ربُع الساعة هذه وهو لم يُراجِع المسألة التي كان من أَجْلها يُفتِّش، وهذا جرَّبْناه، فنُراجِعُ لمَسألةٍ مَا، ثُمَّ يَمُرُّ بنا عُنوان شَيِّق ونَأخُذ به فيَضيع علينا الوقتُ، فالإنسان يَنبَغي أن يَكون حازِمًا، وأن يَبدَأ بالأهَمِّ قبل المُهِمِّ.

ومن ذلك: أن الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كان يُبادِر بإزالة المُؤذِياتِ ولا يَتأخَّر؛ لأن التأخير له آفَةٌ، بل آفاتٌ، فلمَّا بال الأعرابيُّ في المسجد أمَرَ في الحال أن يُصَبَّ عليه ماءٌ ليُطهِّره (١)، ولمَّا بال الصبيُّ في حَجْره دعا في الحال بماءٍ فأَتبَعَه إيَّاه (٢)، وكان من المُمكِن أن يَترُك المكان في المَسجِد حتى يَأتيَ وقت الصلاة ويَحتاج الناس إلى الصلاة في هذا المكانِ، لكنه بادَر، وكذلك من المُمكِن أن يَدَع ثَوْبه حتى يَحضُر وقت الصلاة، ثُم يُطهِّره، لكنه بادَرَ.

فالمُهِمُّ: أن مثل هذه الوَقائِعِ يَنبَغي على الإنسان أن يَتَّخِذ منها تربية لنَفْسه، لا تَمُرُّ به على أنها مَسأَلة فِقْهية عَرَفها فقَطْ، بل لا بُدَّ أن يَظهَر عِلمه في عَمَله.


(١) أخرجه البخاري: كتاب الوضوء، باب يهريق الماء على البول، رقم (٢٢١)، ومسلم: كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول، رقم (٢٨٥)، من حديث أنس - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الوضوء، باب بول الصبيان، رقم (٢٢٢)، ومسلم: كتاب الطهارة، باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله، رقم (٢٨٦)، من حديث عائشة - رضي الله عنها -.

<<  <   >  >>