الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إثبات الجِهة لله عَزَّ وَجَلَّ، لقوله تعالى:{فِي جَنْبِ اللَّهِ}، وقُلنا: إن (جَنْب) بمَعنَى: جانِب، لكن الذين لا يُثبِتون الجِهة يَفِرُّون من هذا، ويُفسِّرونه بأَمرٍ آخَرَ كما فسَّرَه المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ بقوله:[في طاعة الله] مع أن هذا التَّفسيرَ قد يُقال: إنه تفسيرٌ صحيح، وإن جانِب الله تعالى هو طاعته وحَقُّه وما أَشبَه ذلك، لكن نحن نَعلَم أن كثيرًا من الناس يُنكِرون أن يَكون الله تعالى في جِهة، ويَقولون: لا يَجوز أن تَقول: إن الله تعالى في جِهة، لا فوقُ ولا تَحتُ.
وعَكسُهم قومٌ آخَرون فقالوا: إن الله تعالى في كل جِهة بذاته. وبين الطائِفَتَيْن كما بين السماء والأرض!.
وتَوسَّطَ آخَرون فقالوا: إن الله تعالى في كل جِهةٍ، لكنه فوقَ كل شيء، قال تعالى:{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}[البقرة: ١١٥]، فإنِ اتَّجَهْتم شرقًا أو غربًا أو شَمالًا أو جَنوبًا فثَمَّ وجهُ الله تعالى، لكن ليس الله تعالى نفسُه في تِلك الجِهةِ، ولكنه فوقُ، وفَوقِيَّتُه لا تُناقِض أن يَكون في كل جِهةٍ استَقْبَلتَها.
فلو قال قائِل: كيف يَجتَمِع أن يَكون في جِهة المَشرِق مثلًا، أو المَغرِب، أو الشَّمال، أو الجنوب وهو فوقَ كل شيء؟
الجَوابُ: نَقول: (كيف) اجعَلْها فيما يُمكِن تَكييفه، فصِفات الله تعالى لا يُمكِن تَكييفها، وعليك أن تُسلِّم، ثُم نَقول: إن هذا مُمكِن لو كانت الشمسُ عند الشُّروق أو عند الغُروب واستَقْبَلتها كانت في جِهة المَشرِق أو في جِهة المَغرِب، وهي في السَّماء، هذا في المَخلوق؛ فما بالُك في الخالِق المُحيط بكل شيء؟!
فالصَّوابُ: أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في جِهة وهي جِهة العُلوِّ، لكنه عَزَّ وَجَلَّ مَنِ اتَّجَه