للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليه في أيِّ مَكان فالله تعالى قِبلَ وَجْهه، قال تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}، أمَّا ذاته عَزَّ وَجَلَّ فإنه فوقَ كل شيء.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: إقرار المُكذِّبين على أنفسهم بما هم عليه من التَّكذيب، لكن في وقتٍ لا يَنفَعهم؛ ويُؤخَذ ذلك من قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ}، فهو تَأكيد وإثبات أنه كان في الدنيا من الساخِرين بشَرْع الله تعالى المُستَهْزِئين به.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: تَحريم السُّخْرية بالله عَزَّ وَجَلَّ، ويُؤخَذ ذلك من كون هذا الساخِرِ ندِمَ وتَحسَّر على ذلك، ولولا أنه أُصيب بعَذابٍ عليه لم يَندَم.

فإن قال قائِل: ما حُكْم السُّخْرية بالله تعالى؟

قُلنا: حُكْمها الكُفْرُ، فمَن سخِر بالله تعالى، أو آياته، أو رَسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه كافِر.

فإن قيل: هل تُكفِّرونه ولو كان يَمزَح؟

فالجَوابُ: نعَمْ، نُكفِّره ولو كان يَمزَح؛ لقول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} يَعنِي: ما قصَدْنا {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: ٦٥, ٦٦].

وهنا مَسأَلة مُهِمَّة جِدًّا، وهي الاستِهْزاء بالشخص الذي يَفعَل طاعةً، أو يَتَجنَّب مَعصية، فتارةً يَغلِب عليه الجانب الشَّخصيُّ فهذا لا يَكفُر، وتارةً يَغلِب عليه الجانِبُ الحُكميُّ، بمَعنَى أنه يَسخَر بالحُكْم من أيِّ مَصدَر جاء، فهذا كُفْر؛ ونُوضِّح هذا بمِثال:

الأوَّلُ: مثل بعض الناس لو رأَى مثَلًا عالِمًا من العُلماء المُعتَبَرين المَحبوبين عند الناس المَوْثوقين رأَى ثوبَه إلى نِصْف الساق لا يَسخَر به أبدًا، ولا يُمكِن أن يَسخَر،

<<  <   >  >>