إذَنِ: الكُفْر قُلنا: إنه يَتَضمَّن شيئين: إمَّا جُحودًا، وإمَّا استِكبارًا.
قال تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}، قوله تعالى:{أُولَئِكَ} اسمُ إشارة، وهنا المُشار إليه بعيد؛ لأن الكافَ لا تَأتِي إلَّا إذا كان المُشار إليه بعيدًا، فإنها تَأْتي الكاف لتَنبيه المُخاطَب إلى المُشار إليه؛ لبُعْده، أمَّا إذا كان المُشار إليه قريبًا فإنه لا يُؤتَى بالكاف، بل يُقال:(أولاءِ) مثل: (هَؤلاءِ)، ويُقال:(هذا) لكن إذا كان بَعيدًا فإنه يُؤتَى بالكاف؛ لتَنبيه المُخاطَب إلى المُشار إليه؛ لأنه لا شَكَّ أن الإنسان إذا خُوطِب كان ذلك أبلَغَ في تَنبيهه:(أولئِك) إذا قلتَ الكافَ سيَنتَبِه ويَنظُر من هذا المُشارُ إليه.
فإذا كان لا يَكون إلَّا البعيد، فالبُعْد إمَّا عُلوٌّ أو سُفول، وإمَّا حِسِّيٌّ وإمَّا مَعنَوِيٌّ، فالأقسام إذَنْ أربعة، والقِسْم الذي يَنطَبِق على الذين كفَروا هنا حِسِّيٌّ، لكن في الدنيا مَعنوِيٌّ؛ لأنه قد يَكون كافِرًا وهو في قِمَّة الجبَل.
قوله تعالى:{أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} هم لا غيرهم الخاسِرون الذين خسِروا الدُّنيا والآخِرة، أمَّا خُسْران الآخِرة فظاهِر، وأمَّا خُسْران الدنيا فإنهم إنما خُلِقوا لعِبادة الله تعالى، ولم يَقوموا بعِبادة الله تعالى، إذَنْ خَسِروا المعنى الذي من أَجْله خُلِقوا، قال الله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: ٥٦]، وقال الله تعالى:{قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}[الزمر: ١٥].
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [مُتَّصِلٌ بقوله: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ} وما بينهما اعتِراض] قوله رَحِمَهُ اللهُ: [مُتَّصِلٌ] يَعنِي بقوله تعالى: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا