بِمَفَازَتِهِمْ}؛ هذا ما ذهَب إليه رَحِمَهُ اللهُ، ولكن هذا قد يُنازَع، قد يُقال إن قوله تعالى:{وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ} هو مُتَّصِل بما قبلَه، لمَّا ذكَر الذين كذَبوا على الله تعالى أن وجوهَهم مُسوَدَّة قال تعالى:{وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا}، أمَّا هذا فليس له صِلة بما ذُكِر، بل صِلَته بما قَبْله مُباشَرةً أَبْيَنُ وأَظهَرُ؛ لأن الله تعالى قال: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} يَعنِي: فبَعدَ هذا البيانِ، وبعد إقرار الكُفَّار بأن الله تعالى خالِق كل شيء لا يَبقَى لهم رِبْحٌ إذا كفَروا، بل همُ الخاسِرون.
فتَكون هذه الآيةُ مُتَّصِلةً بما قبلَها مُباشَرةً، وليست مُتَّصِلةً بقوله تعالى:{وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ}، لأن هذه الآيةَ:{وَيُنَجِّي اللَّهُ} مُتَّصِلة بما قبلَها، وهذا هو مُقتَضى النَّظْم القرآني، أمَّا أن نُشَتِّتَ الآياتِ ونَقول: كلُّ هذه الجُملةِ {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} كل هذا جُملة اعتِراضية، أو كل هذا اعتِراضٌ لا محَلَّ له هنا؛ فلا شَكَّ أن هذا خِلاف ما يَقتَضيه النَّظْم وسِياق القرآن.
فالصَّوابُ: أن هذه الجُملةَ مُتَّصِلة بما قبلَها، ووجهُ الاتِّصال أنه بيَدِه مَقاليدُ السمَوات والأرض، وأنه خالق كل شيء، وهم يُقِرُّون به؛ فصار هؤلاء الذين يُقِرُّون بأن الله تعالى خالِق كل شيء، وأن له مَقاليدَ السموات والأرض وكفَروا به يَكونون خاسِرين لا شكَّ هم أَخسَرُ الناس، فكيف يُقِرُّون بأن الله تعالى خالِق كل شيء، وأن له مَقاليدَ السموات والأرض ثُم يَكفُرون بآياته؟! وكان مُقتَضى هذا الإقرارِ أن يُؤمِنوا بآياته، ولكنهم خَسِروا فكفَروا بآيات الله تعالى، قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.