للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {زُمَرًا} قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [جماعاتٍ مُتَفَرِّقةً] ووجهُ التَّفريق في هذه الجَماعاتِ قد يَكون باعتِبار الأُمَم، أو باعتِبار الأعمال، بحيث تَكون الزُّمْرة الأُولى هي الكافِرة المُشرِكة، والثانية ما دونَها، والثالِثة ما دونَها وهكذا.

فإن قُلْنا بالأوَّل - أي: أن هذه الزُّمَرَ باعتِبار الأُمَم - فإن دليله قولُه تعالى: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ} [الأعراف: ٣٨]، فإن هذا يَدُلُّ على أنهم يُذهَب بهم إلى النار أُمَمًا.

وإن قُلنا بالثاني: فدَليله ما يُصنَع بأهل الجَنَّة أن أوَّل زُمْرة تَدخُل الجَنَّة وجوهُهُم كالقمر ليلةَ البَدْر، أو على صُورة القمَر ليلةَ البَدْر، فإن هذا يَقتَضي أن يَكون الزُّمَر باعتِبار العمَل، فالله أَعلَمُ.

المُهِمُّ: أن نَعرِف أنهم يُساقون زُمَرًا.

فإن قال قائِل: أَلَا يَمنَع من كونه المَعنَى {زُمَرًا} أن يَكون جَماعاتٍ باعتِبار العمَل؛ لقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَوَّلُ مَنْ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ ثَلَاثَةٌ" (١)؟

فالجَوابُ: نعَمْ، هذا يُؤيِّد أن المُراد باعتِبار العمَل؛ لأن هؤلاءِ الثلاثةَ يَكونون في الأُمَم من قَبْلنا وفينا.

وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} شَرْطها: {جَاءُوهَا}، وجوابُها: {فُتِحَتْ} يَعنِي: من حين أن يَصِلوا إليها تُفتَح، وفَتْحُها أَكْرَهُ شيءٍ إليهم - نَسأَل اللهَ العافِيةَ -؛ لأنهم يَوَدُّون أن يَقِفوا ولو على شَفيرها دون أن يَدخُلوا فيها، ولكنهم يُفاجَؤُون بفَتْحها من أَجْل مُبادَرتهم بالعَذاب، والعِياذ باللهِ.


(١) أخرجه مسلم: كتاب الإمارة، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار، رقم (١٩٠٥)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بمعناه.

<<  <   >  >>