للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيَكون الحَمْد هنا شامِلًا للأَمْرين؛ لأنَّ الله تعالى يُحمَد على ما لَهُ من صِفات الكَمال، وعلى ما له من تمَام الإِفْضال.

وقوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ}: (صدَق) المُخفَّف غير (صَدَّق) المُشدَّد؛ لأن (صدَق) يَعنِي: أَخبَر بالصِّدْق، و (صدَّق) صدَّق مَن أَخبَر بالصِّدْق، يُقال: حدَّثني فصدَقني. المَعنَى: أَخبَرَني بالصِّدْق، ويُقال: حدَّثْتُه فصدَّقَني. يَعنِي قال: إني صادِق؛ قال الله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ}، فالذي جاء بالصِّدْق هو الذي صدَق، وصدَّق مَن أَخبَر بالصِّدْق.

قوله رَحِمَهُ اللهُ: [{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} بالجَنَّة {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ} أي: أرضَ الجَنَّة {نَتَبَوَّأُ} نَنزِل {مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ}؛ لأنها كلها لا يُختار فيها مَكان على مَكان]، قوله تعالى: {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ} أي: جعَلنا نَرِثها، والأرض هنا دخَلَت عليها (أل)، فهلِ المُراد بها الأرض المَعهودة، أو المُراد بها أرضُ الجَنَّة؟

يَرَى المُفسِّر رَحِمَهُ اللهُ أن المُراد بها أرض الجَنَّة، وهذا التَّفسير يَرِدُ عليه أَمْرانِ:

الأَمْرُ الأوَّلُ: أن الأرض إذا أُطلِقت فهي الأرضُ المُقابِلة للسَّماء، وهي أَرْضنا هذه.

الأمرُ الثاني: أنه تعالى قال: {نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ}، وكان مُقتَضى السِّياق إذا كانت الأرض هي الجَنَّة أن يُقال: (وأَوْرَثنا الأرض نَتبَوَّأ منها حيثُ نَشاءُ)، فلا يَأتي بالظاهِر؛ لأنَّ الظاهِر في هذا المَكانِ لا مَعنَى له.

وعلى هذا فالقولُ الصحيح: إن المُراد بالأَرْض هنا الأرضُ المُقابِلة للسماء، فتَكون (أل) هنا للعَهْد, أيِ: العَهْد الذِّهْنيِّ، لا الحُضورِيِّ، ولا الذِّكْريِّ.

<<  <   >  >>