نَقول: أوَّلًا: أن الله تعالى قال في كِتابه: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}[الأنبياء: ١٠٥]، فتَوريث الله تعالى الأَرْض للمُؤمِنين في الدُّنيا: أنهم يُقاتِلون الكُفَّار ويَستَوْلون على أراضيهم.
ثانيًا: أن وُجودهم على الأرض وسُكْناهم فيها وعُمرانهم إيَّاها كالميراث بالنِّسبة للكُفَّار؛ وذلك لأنَّ الكُفَّار لا يَتَمتَّعون بنِعْمة في الدنيا إلَّا كانت عليهم نِقْمة.
فاللُّقْمة إذا رفَعَها الكافِر إلى فمِه يُعاقَب عليها؛ لأن الله تعالى قال:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا}[المائدة: ٩٣]، فمَفهومه: أن مَن لم يَكُن كذلك فعليه جُناح فيما طَعِم.
ويَقول عَزَّ وَجَلَّ في اللِّباس:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[الأعراف: ٣٢]، فالكُفَّار ليسَتْ لهم في الدنيا ولا خالِصةً لهم يوم القيامة، فهم يَكتَسون بغير حَقٍّ؛ لأنهم يَتَنَعَّمون بنِعْمة الله تعالى ويَكفُرون بالله تعالى.
على كل حال نَقول: إِيراثُ الأرض في الدنيا: ما يَستَولِي عليه المُسلِمون من أراضِي الكُفَّار؛ وإِيراثٌ آخَرُ: أن وُجودهم على الأرض بحَقٍّ، ووجود الكُفَّار بغير حقًّ، لكن الله تعالى أَبقاهم لحِكْمة.
وقوله تعالى:{نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} ظاهِره: أي: نَسكُن حيث نَشاءُ، وهذا ليس على ظاهِره، بمَعنَى أن الإنسان الذي في أَدْنى الجَنَّة نُزُلًا لا يَستَطيع أن يَصعَد إلى أعلى شيءٍ، قال النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:"إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ الْغُرَفَ"