للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

"إِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ" (١) يقتضي أن حواء خلقت من ضِلَع آدم، والله على كلِّ شيء قديرٌ؛ أن يخلق بشرًا من غير زوجة، بل ومن غير زوج، فإن حوَّاء خُلِقَت بلا أمٍّ ولا أبٍ.

وقوله: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} لا ينافي ما ذكر الله تعالى في آيةٍ أخرى: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} لأنَّ الواو لمُطْلَق الجمع لا تستلزم التَّرتيب، فإذا جاءت آية أخرى فيها التَّصْريحُ بالتَّرتيبِ حُمِلَت الآيةُ التي فيها الواو الدَّالَّة على مُطلَق الجمع على الترتيب، على أنَّ تقديمَ الشَّيْء على الشَّيْء في الذِّكْر وإن كان بالواو يقتضي أن يُقَدَّم، هذا هو الأصل، ولهذا لما دنا النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - من الصَّفا حين أتى إلى السَّعْيِ قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: ١٥٨] "أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ" (٢) فبدأ بالصفا.

وهذا يدل على أن ما قُدِّم في الذكر فهو متقدِّمٌ على ما بعده رُتْبَة، أو زمنًا، أو مكانًا حسب ما يقتضي الحال، لكن ليس هذا بلازِمٍ، قد يتقدم ما بعد الواو على ما قبلها ولا يُعَدُّ ذلك تناقضًا، لكن في قوله: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} لا يمكن أن نقول إنَّ الجَعْل هنا قبل خلق آدَمَ.

وقوله: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا} هذا ابتداءُ خَلْقِ الإنسان؛ و (مِن) هذه للابتداء، وهل (منها) عَينًا أو (منها) وَصْفًا؟

الجواب: الظاهِرُ الأَمْران؛ لأنَّها من آدم خُلِقَت، وهي مثل آدم أيضًا فهي من نوْعِهِ، وهي أيضًا منه عَينًا، فهي جزءٌ منه وبَضْعَةٌ منه، ولهذا خَطَبَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - النَّاس


(١) أخرجه البخاري: كتاب النكاح، باب الوصاة بالنساء، رقم (٥١٨٦)، ومسلم: كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء، رقم (١٤٦٨)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه مسلم: كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، رقم (١٢١٨)، من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -.

<<  <   >  >>