يَأتي بعدَه مَنصوبًا يَكون مَنصوبًا على الحال، بخِلاف الرُّؤية العِلْمية فإنَّها تَنصِب مَفعولين.
إِذَنِ: الرؤيةُ هنا بصَرية، ولهذا أَعرَب المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ قوله تعالى: {حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} أَعرَبها حالًا.
وقوله تعالى: {حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} أي: مُحيطين به.
والعَرْش هو عَرْش الله عَزَّ وَجَلَّ الذي استَوَى عليه، وهو أَعظَمُ المَخلوقات وأَعلاها، وأَوْسعها، فإن الكرسيَّ وسِعَ السمواتِ والأرضَ؛ يَعنِي: أَحاط بها وشمِلَها، والعَرْش أَعظَمُ من الكُرسيِّ؛ وقد ورَد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن الكُرسيَّ مَوضِع القَدَمَيْن (١)، وقال بعضُ العُلَماءِ رَحِمَهُم اللهُ: إنه بالنِّسبة للعَرْش كالدرَجة.
وقد جاء في الحديث: "أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ فِي الْكُرْسِيِّ كَحَلَقَةٍ أُلْقِيَتْ فِي فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ" الحلَقة: حلَقة المِغفَر وهي حلَقة ضَيِّقة "أُلْقِيَتْ فِي فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَأَنَّ فَضْلَ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كفَضْلِ الْفَلَاةِ عَلَى هَذِهِ الحَلَقَةِ" (٢).
إِذَنْ: فيَكون هذا العرشُ عظيمًا لا يَقدُر قَدْره إلَّا الله عَزَّ وَجَلَّ.
قال رَحِمَهُ اللهُ: [{حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} من كل جانِب] ووجهُ هذا التَّفسيرِ: أنَّه من كل جانِب؛ لأنه أَطلَق قوله تعالى: {حَوْلِ الْعَرْشِ}، وحينئذ لا بُدَّ أن يَكون هذا
(١) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (٣/ ٢٥٠ رقم ٣٠٣٠)، وابن خزيمة في التوحيد (١/ ٢٤٨)، وابن أبي حاتم في تفسيره (٢/ ٤٩١ رقم ٢٦٠١)، والطبراني في معجمه الكبير (١٢/ ٣٩ رقم ١٢٤٠٤)، وأبو الشيخ في العظمة (٢/ ٥٥٢)، والحاكم في المستدرك (٢/ ٢٨٢).
(٢) أخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (٣٦١)، وابن بطة في الإبانة (٧/ ١٨١)، وأبو نعيم في الحلية (١/ ١٦٦)، من حديث أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه -.