فقوله:"أربعين يومًا نُطْفَةً" يعني: ماءً وهو المَنِيُّ، لكنه في هذه المدة يتطوَّر تطورًا خفيًّا إلى أن يصِلَ إلى الغاية في تمام أربعينَ يومًا حتى يكون عَلَقَةً؛ أي: دمًا أحمر، والظَّاهِرُ: أنَّه ليس المراد أنه يبقى نُطْفَةً إلى تمام الأربعين ثم ينقلب في لحظة إلى دَمٍ، بل هو يتطوَّر وينقَلِبُ شيئًا فشيئًا إلى أن يَتِمَّ كونُه دمًا في أربعين يومًا، ثم يكون، ثم يبقى هكذا عَلَقَةً، لكنه أيضًا يتجمَّدُ شيئًا فشيئًا وينمو حتى ثمانينَ يومًا، ثم بعد ذلك يكون مُضْغَةً؛ قِطْعَةً لَحْمٍ.
وقوله تعالى:{مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} يحتمل - والله أعلم - أن مُخَلَّقَة عند انتهاء الطَّوْر الثالث، غير مُخَلَّقَة في ابتداء الطور؛ يعني: فتكون في هذا الطَّوْر في الابتداء غير مُخَلَّقَةٍ، وفي النهاية مُخَلَّقَة، ويحتمل أن تَخْتَلِفَ الأجِنَّة في ذلك فيكون بَعْضُها مخُلَّقًا من حين أن تَنْتَقِل إلى العَلَقَة إلى المُضْغَة، وبعضها يتأخَّر، فالله أعلم، ويُرْجَع في هذا إلى العلماء في هذه المسألة.
ثم قال عزَّ وَجَلَّ:{خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} ظُلُمات لا يصل إليها الضوء، {ثَلَاثٍ} فَسَّرَها المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ بقوله: [هِيَ ظُلْمَة الْبَطْنِ، وَظُلْمَة الرَّحِم، وَظُلْمَة الْمَشِيمَة]؛ هذه ثلاثُ ظُلُمات جعلها الله عزَّ وَجَلَّ وقايةً لهذا الجنين؛ لأنَّ أشِعَّة الضَّوْء لو وصلت إليه لأَفْسَدَتْه، ولكن الله عَزَّ وَجَلَّ جعله في هذه الظلمات الثَّلاث، ثم إنَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل ظَهْرَه إلى بَطْنِ أمِّه، ووَجْهَه إلى ظَهْر الأم، وهذا من أجل ألَّا يتضرر وَجْهُه بالصَّدَمات التي تكون على بطْنِ الأُمِّ ليكون الظَّهْر وقايةً للوَجْه، وخلف الجنين الذي هو الذي يلي البطن قوِيٌّ؛ لأنَّ فيه الظَّهْر والأَضْلاع، فهو قويٌّ؛ يعني: مُتَحَمِّل للصَّدَمات.
فإذا أراد الله عَزَّ وَجَلَّ إخراجَه انقلب هذا الجَنينُ؛ تَحرَّك واضْطَرَب بإذن الله عَزَّ وَجَلَّ