للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلا يَرضى لهم أن يَقوموا به؛ وذلك لأنَّ الله خَلَقهم، فكيف يَرضى للإنسان العاقِلِ أن يَصْرِف العبادة لغير الخالِق؟! ولهذا قال: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ} ولم يقل: مِن عباده، أو عن عباده؛ لأنَّ اللام أَبْلغ في كَوْن هذا الشَّيْء لا يليقُ بهم.

وقوله: {لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} العبودية تنقسم إلى قِسْمَيْنِ: عامَّة وخاصَّة، فمِن الأول - أي مِن العامِّ - قولُه تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: ٩٣] {إِنْ كُلُّ} [مريم: ٩٣] (إن) هنا بمعنى (ما)، وعلامةُ (إن) التي بمعنى (ما): أنْ يأتي بعدها (إلَّا)، قال تعالى: {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} [فاطر: ٢٣]؛ يعني: ما أنت إلا نذيرٌ؛ فقوله: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: ٩٣] هذه مِن العبودية العامَّة، حتى الشياطينُ والكُفَّار كُلُّهم عِبادُ الله بالمعنى العام، أما القِسْم الخاصُّ بالعبادة عبادَةِ المؤمنين: وهي العبادَةُ الشَّرْعيَّة؛ أي التعَبُّد لله تعالى شَرْعًا، فهذه خاصَّة بمَن أطاعه، ومِن ذلك قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: ٦٣]، وقوله: في الرُّسُل إنهم عباد الله: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} [ص: ٤٥] هذه عبودية خاصَّةٌ، فقوله: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ} هنا من العامة؛ يعني لا يَرْضى الكُفْر لأي واحِدٍ من عباد الله.

وقوله: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} قال رَحِمَهُ اللهُ: [وإن أراده من بَعْضِهِم] هذا كلام جيِّدٌ؛ يعني هو لا يرضاه، لكن يريده مِن بَعْضِهِم، يريده بالإرادة الكَوْنِيَّةِ لا الإرادة الشَّرْعيَّة، وهذا ردٌّ على قولٍ مُبْتَدَعٍ، يقولون: إنَّ الله لا يُريد إلَّا ما يَرضَى، وأمَّا ما لا يرضاه فلا يُريده؛ وعلى هذا القول الباطِلِ تكون المعاصي واقعةً بغيرِ إرادة الله، ولا شَكَّ أن هذا قولٌ يُبْطِله نصوصٌ كثيرةٌ.

مثل قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ

<<  <   >  >>