يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: ١٢٥]، فالله عَزَّ وَجَلَّ مُرِيدٌ لهذا وهذا، لكن بالإرادة الكَوْنِيَّة؛ لأنَّ الكلَّ ملكه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ ولهذا قال:[وإن أراده مِن بَعْضِهم] يعني فإرادته مِن بعضهم لا تقتضي أن يكون راضيًا به؛ إذ قد يُريد ما لا يرضاه.
فإن قال قائل: كيف يريد ما لا يرضاه؟ وهل أحدٌ يُكْرِهه؟
قلنا: لا يُكرِهُه أحَدٌ، لكن يُريد ما لا يرضى لحِكْمَة بالغة؛ فلو كان الله تعالى لا يريد إلا ما يرضاه، لأصبح النَّاس كلُّهم مؤمنين، ولم يكن هناك مَيْزَة للمُؤْمِن عن الكافِرِ، ولم يُقَم عَلَم الجهادِ، ولا الأَمْرُ بالمعروفِ والنَّهْيُ عن المُنْكَر، ولا مُلِئَتِ النَّار، كما وعد الله عَزَّ وَجَلَّ، إلى غير ذلك مِن المصالِح العظيمة التي تَنْتُج عن وجود الكفر في عباد الله.
قال: [{وَإِنْ تَشْكُرُوا} اللهَ فَتُؤْمِنُوا] {يَرْضَهُ لَكُمْ}، إِنْ تَشْكُرُوا، مقابل إنْ تَكْفُرُوا؛ لأنَّ الإنسانَ في نِعَمِ الله بين كافرٍ وشاكِرٍ، وهو لا يرضى لعباده الكفر، وتأمل كيف قال في الكُفْر: إنَّ الله غَنِيٌّ ولا يرضى، وهنا قال:{وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} فبدأ في جواب الشَّرْط في {إِنْ تَكْفُرُوا} ببيان غناه عن الخَلق عَزَّ وَجَلَّ، أما الشُّكر فإنه هو الذي يُثيبُ عليه؛ ولهذا قال:{وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} فإذا رَضِيَه فسوف يثيبه، قال الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [البينة: ٧, ٨] ولهذا أثابهم الجنَّاتِ، أسأل الله أن يَجْعَلَنِي وإيَّاكُم منهم.
قال:{يَرْضَهُ لَكُمْ} في هذا الفعل إشكال من النَّاحِيَة النحوية، فإنه جوابُ الشَّرْط، فـ (إن تشكروا) هذا فِعْل الشَّرْط، (يَرْضَه) جوابُ الشَّرْط، ومع ذلك فهو