للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الكافِرُ (١)، ولا شكَّ أنَّها - رضي الله عنها - بَشَرٌ تُخْطِئُ وتُصيبُ؛ وذلك لأنَّ الكافر يُعَذَّب، سواء بكى عليه أَهْلُه أم لا، لكن هي أرادَت أن تقول: إنَّ معنى الحديث: أنَّ الكافِرَ لَيُعَذَّبُ وأهله يَبْكون عَلَيْه، جعلت هذا معنى الحديث، واستَدَلَّتْ بالآية، ولكَّننا نقول: لا يستقيم هذا التَّأْويلُ بل معنى الآية: أنَّ المراد بالعذابِ: التألُّم النفسي، وليس التألُّمَ البَدَنِيَّ.

ونظير هذا قولُ الرَّسولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ" (٢) مع أنَّ المسافِرَ لا يتعذَّب تعذُّبًا بدنيًّا، قد يكون من آنَسِ ما يكون إذا كانت الأَرْضُ مُخْصِبَة، والإِبِلُ طيِّبة، والرِّفاق أصحابًا، فيكون السفر نُزْهَة، ومع ذلك فهو قِطْعَة من العذاب القَلْبِيِّ، نحن في الطَّائِرَة مستريحون، ففيها دِفءٌ في الشتاء، وبرودة في الصيف، ونَشْرَب القهوة والعصير، ونأكل التَّمْر، وكلُّ ما طَلَبْنا يأتي، ومع ذلك القَلْب متألِّم، ليس مثل إنسان مُسْتَقِرٍّ في بيته، فالعذاب الذي في القَبْر هو هذا النَّوْع من العَذابِ.

وقال بعض العلماء: يعذَّب عذابًا بدنيًّا؛ أي: يعاقَبُ عقوبة بدنية، ولكن هذا فيمن أوصى أَهْلَه أن يَنوحُوا عليه، وإن كان هذا لم يُذْكَرْ بالحديث، لكن يُحْمَل الحديث على ما تَقْتَضيه النُّصوصُ الأخرى.

وقال بعضهم: هذا في الرَّجُل الذي يَعْلَمُ في أهله أن ينوحوا عليه ولم يَنْهَهُم والفَرْقُ بين القَوْل هذا والذي قبله؛ فالذي قبله أوصاهم، وهذا ما أوصاهم لكن يَعْلَم أنَّهُم يفعلون فلم يَنْهَهُم.


(١) أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه"، رقم (١٢٨٨)، ومسلم: كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه، رقم (٩٢٩).
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الحج، باب السفر قطعة من العذاب، رقم (١٨٠٤)، ومسلم: كتاب الإمارة، باب السفر قطعة من العذاب، رقم (١٩٢٧)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>