فالوازرة حكمًا هي: القابِلَة للإثم؛ يعني التي يمكن أن تتحمَّل الإثْمَ، وإن لم تَعْمَلِ الوِزْر، والوازِرَة حقيقةً هي: التي فَعَلَتِ الإثْمَ.
مثال ذلك: رجلٌ بالغٌ عاقلٌ، لكنه صالِحٌ نقول: هذا وازرٌ حُكْمًا، ورَجُلٌ آخر زنى أو سرق، نقول: هذا وازرٌ فِعلًا، إذا كان بالغًا عاقلًا، وهذا هو السِّر في أنَّ الله قال:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ}، ولم يقل:(ولا تزر نفسٌ وِزْرَ أخرى)، بل قال:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ}؛ لأنَّ مَن ليست وازِرَة، لا تَزِرُ شيئًا لا عن نفسها ولا عن غيرها {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ}{وِزْرَ أُخْرَى}؛ أي إثْمَ نفسٍ أخرى، ومعنى (لا تَزِرُ)؛ أي لا يَلْحَقُها وِزْرُه؛ أي الإثْمُ؛ ولهذا فسَّره المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ بقوله:[أي لا تَحْمِله] لا تَحْمِل وازرةٌ وِزْرَ أخرى.
فإن قال قائل: الغلامُ إذا بلغ عشرة سنين فإنه يُكلَّف بالصَّلاة، هل يكون وازِرَة؟
فالجواب: لا، لا يُكلَّفُ؛ ولكنْ يُضرَبُ عليها لعشرٍ من باب التَّأديب على التَّمَرُّن على الطَّاعَة، وإلا لو تركها فإنه لا يأثَمُ.
وإن قيل: كيف نجمع بين هذه الآية: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ} وبين ما ورد أنَّ المَيَّتَ يُعَذَّبُ ببكاء أهله عليه (١)؟
فالجواب: هذا ينبغي أن يُورَد على الآية، وهو أنَّ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ثبت عنه: أنَّ الميِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكاءِ أَهْلِهِ عليه، وعائِشَةُ - رضي الله عنها - قالت: إنَّ المرادَ بذلك
(١) أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه". إذا كان النوح من سنته، رقم (١٢٨٦). ومسلم: كتاب الكسوف، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه، رقم (٩٢٧)، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.