وقوله رَحِمَهُ اللهُ: [{وَإِنْ تَشْكُرُوا} اللهَ فَتُؤْمِنُوا]؛ يعني: فتؤمنوا الإيمانَ المُستَلْزِم للعَمَل الصَّالِح، لا مجرد الإيمان بالله عَزَّ وَجَلَّ؛ إذ الإيمانُ بالله لا يكون إيمانًا حقيقيًّا حتى يستلزم القَبولَ والإذعان؛ وكثيرٌ مِن العامَّة يظنون أنَّ الإيمان بالله: أنْ تؤمِنَ بوجود الله فقط، وهذا خطأٌ، بل الإيمان بالله هو: الإيمان المُسْتَلْزِمُ للقَبُول والإذعان؛ القَبُول لِما أمر به، وانشراح الصَّدْر به، والإذعان والانقياد التَّام، قال الله تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء: ٦٥].
فعلى رأي مَن يقول: إنَّ الإيمانَ هو: الإيمانُ بوجود الله، يظنُّون اليهودَ والنصارى مؤمنين، وقد يُصرِّحونَ بهذا، يقول: النَّصراني مُؤْمِنٌ يؤمن بالله، وإذا مات له شَخْص قال: رحمه الله، واليهود كذلك!
ونقول: إنَّ هذا ليس هو الإيمانَ بالله، الإيمانُ بالله لا يَصِحُّ - وليس يتمُّ فقط - إلَّا بالقَبول والإذعان؛ فالقَبولُ لِمَا جاء به الوَحْيُ، والإذعانُ والانقياد التَّام.
وقوله تعالى:{يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ في التفسير: [{وَلَا تَزِرُ} نَفْسٌ {وَازِرَةٌ وِزْرَ} نَفْسٍ {أُخْرَى} أي: لا تحمله] {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ}: (لا) نافية، و {وَازِرَةٌ} فاعِلٌ، وهو نكرة في سياق النفي، فيَعُمُّ كلَّ وازِرٍ.
والوازرة: التي تتحَمَّل الإثم وتقوم به؛ وعلى هذا فمَن دونَ البُلُوغ ليس نَفْسًا وازِرَة؛ لأنَّها لا تتحمَّل الإثْمَ، ومَن كان بالغًا، ولم يَفْعَل الإثم فليس بوازِرٍ.
إذن: فالوازِرَة؛ يعني القابِلَة للوِزْر، وهي: النَّفْس المُكَلَّفَة، وإذا أردنا أن نقول: وازِرَة بالفِعْل، نقول: هي الفاعِلَة للإثم، فـ {وَازِرَةٌ} هنا تشمل الوازِرَة حُكمًا، وقد تشمل الوازِرَة فعلًا أيضًا.