للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [تَضَرَّع] يعني: فَسَّرَ دعا بمعنى تضَرَّع؛ لقوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا} [الأعراف: ٥٥] والتَّضَرُّع هو الاستكانة والذُّلُّ أمام الله عَزَّ وَجَلَّ.

قوله: {مُنِيبًا} راجعًا إليه، فإذا دعا ربه مُنيبًا إليه كَشَفَ الله ضُرَّه؛ لأنَّه عَزَّ وَجَلَّ قال: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} [النمل: ٦٢].

وإجابة الله للمُضْطَرِّ تَشْمَلُ الكافر والمُسْلم؛ حتى الكافر الذي يعلم الله أنه سَيَكْفُرُ بعد زوال اضْطِرارِهِ يُجيبُ دعوته، قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: ٦٥].

فهو يعلم عَزَّ وَجَلَّ أنَّهُم سيُشْرِكون بعد النَّجاة، ومع ذلك يجيبهم؛ لأنَّ رَحْمَتَه سبقت غَضَبَه، ففي حال الضَّرورة يَصْدُق لجوءُ الإنسانِ إلى ربِّه؛ لأنَّه يعلم أنه لا يَكْشِفُ الضُّرَّ إلا اللهُ؛ فإذا لجأ إلى ربِّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فإنَّ رحمته سبقت غضبه، فيجيبه رحمةً به.

فهنا يقول عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ} إلى آخره؛ يعني كأنَّ هذا - والله أعلم - إشارة إلى أنَّه بعد أن تَغْمُرَه النِّعْمَة ويَسْتَمِر فيها وقتًا يُنَعَّم بها، بعد ذلك يَكْفُر.

وقوله: {ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً} قال رَحِمَهُ اللهُ: [إذا أَعْطاه] تفسير: لـ {خَوَّلَهُ}، [إنعامًا] تفسير لـ {نِعْمَةً} أمَّا تفسير خوَّله بـ (أعطاه) فواضِحٌ، وأما تَفْسيرُ نِعْمَةٍ بإنعامٍ فلا وَجْهَ له؛ لأنَّ المُعْطَى ليس الإنعامَ وإنما المُعْطَى النِّعْمَة، وعلى هذا فإبقاءُ الآية على ظاهرها أَوْلى مِمَّا ذهب إليه المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ.

<<  <   >  >>