هنا: التَّهديدُ؛ كقوله تعالى {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف: ٢٩] ومعلومٌ أنَّ الإنسان ليس بالخيارِ بين الإيمان والكفر، لكن هذا من باب التَّهديدِ، فهنا {تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا} ليس معناه أننا نُبيحُ له أن يتمتَّع بالكُفْر، أو نأمره أن يتمَتَّع بالكفر، بل نهدِّدُه؛ فالأَمْرُ هنا للتَّهْديد.
فإن قال قائل: ما الذي أخرجه عن المعنى الأصلي؟
فالجواب: أنَّه أخرجَه عن المعنى الأصلي: قرينَةُ السِّياقِ.
فالكافر - والعياذ بالله - لا يُقَيِّد نَفْسَه بعبادة؛ لا بصلاة، ولا زكاة، ولا صوم، ولا حج، ولا غير ذلك من العبادات، بل هو قد اتَّبَعَ هواه وتَمَتَّع كما يتمتَّعُ الحمارُ؛ وفي النهاية قال تعالى:{إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} كقوله تعالى: {يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ}[محمد: ١٢].
وما أسْرَعَ وصولَه إلى النار؛ لأنَّ الدنيا قليلٌ؛ أي: زمنٌ قليلٌ؛ مهما طال بك العُمُر، فإنه إذا وافاك الأَجَل كأنْ لم تَلْبَثْ إلا ساعَةً من نهارٍ، وإذا شِئْتَ تصديقَ هذا فاعْتَبِرْ ما مضى من عُمُرك بما بقي، اعتبر ما مضى، الآن كلنا يختلف سِنُّه عن الآخر، لكنْ كلُّنا كأننا ولادَة هذه السَّاعَة؛ يعني: كلُّ الذي مضى كأنه لم يَكُنْ، هكذا يكون بَقِيَّةُ العُمُر، مهما طال بالإنسان العُمُر؛ ولهذا قال:{تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا} وإن طال بك العُمُر.