للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ" (١)

إذن: فهذان شَخْصانِ تُجابُ دَعْوَتُهما مع الكفر؛ هما: المظلوم، ومَن وَقَعَ في ضرورة، إذا دَعَوَا الله، فأما إجابةُ المظلومِ فمن أجل العدل والانتصارِ للحَقِّ، وأما إجابة المضطر فلِأَنَّ المُضْطَرَّ اجتمع في حَقَّهِ سببانِ:

سببٌ موجبٌ للرَّحْمة وهو الضَّرورة، وسببٌ موجِبٌ للغَضَبِ والانتقامِ وهو الكفر، ورَحْمَة الله تعالى قد سَبَقَتْ غَضَبَه.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ النِّعْمَةَ مَحْضُ فضلٍ من الله؛ لقوله: {ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً} لأنَّها لا يمكن أن تكون مكافأةً عن عمل، فإنَّ الإنسان لو حُوسِبَ على عمله محاسبةً دقيقةً لكان عَمَلُه لا يقابِلُ واحدًا من ملايينَ مِن نِعَمِ الله عَزَّ وَجَلَّ، فيَخْرُج مغلوبًا، بل إنَّ بعض العلماء رَحِمَهُم اللهُ يقولون: إنَّ العَمْلَ الصَّالِحَ من نِعْمَةِ الله؛ فنَفْسُ العَمَلِ من النِّعْمَة، فإذا شكر العَمَل صار الشُّكْرُ نِعْمَةً، وإن شَكر فالشُّكْرُ صار نِعْمَةً أخرى، وعلى هذا قول الشاعر:

إِذَا كانَ شُكْرِي نِعْمةَ اللهِ نعْمَةً ... عليَّ لَهُ في مِثْلِهَا يَجِبُ الشُّكْرُ

فَكَيْفَ بُلُوغُ الشُّكْرِ إِلَّا بِفَضْلِهِ ... وَإِنْ طَالَتِ الأَيَّامُ وَاتَّصَلَ العُمْرُ (٢)

لأنَّك إذا أَنْعَم الله عليك نِعْمَةً ثم شَكَرْتَه فشُكْرُك إياه نِعْمَة، ثم إنْ شَكَرْتَه على الشُّكْر فهو نِعْمَة أخرى وهُلَمَّ جَرًّا.


(١) أخرجه البخاري: كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء، رقم (١٤٩٦)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم (١٩)، من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(٢) البيت لمحمود بن الحسن الوراق، انظر: الفاضل للمبرد (ص ٩٥)، والصناعتين لأبي هلال العسكري (ص ٢٣٢).

<<  <   >  >>