وبعد هذا لا يمكن أن نَقْبَلَ قولًا من أي عالِمٍ كان بأنَّ النَّار غير مُؤَبَّدَة، ولا نقابل هذا النَّصَّ الصَّريحَ بقياساتٍ؛ لأنَّ قوله تعالى:"إِنَّ رَحْمَتي سَبقَتْ غضَبِي"(١) هذا صحيحٌ نَصٌّ مُحْكَمٌ وخَبَرٌ صادِقٌ، لكن الخَبَر يجوز تخصيصُه، فنقول: أهْلُ النار ليسوا أهلًا للرَّحْمة، وعقوبة الله إيَّاهم على التَّأبيد هي من كمال العَدْلِ والحِكْمَة، فكما أَمْضَوْا أعمارَهُم بالكُفْر، كل الدنيا أَفْنَوْها بالكُفْر، فالآخِرَة أيضًا تَذْهَبُ عليهم بالجزاء والعُقُوبة، هذا هو العَدْل، وهذه الحِكْمَة.
ونقول: عمرك في الدنيا كُلُّه مضى في الكُفْر.
إذن: فحياتُكَ في الآخِرَة تمضي بالجزاء والعُقُوبَة، لا حياةَ لك في الآخِرَة، كما أنه لم يَكُنْ لك حياةٌ في الدنيا؛ طاعَةُ الله.
مسألة: ما قيل عن شَيْخِ الإسلام أنه قال بفناءِ النَّارِ ليس بصحيحٍ؛ ولْنَفْرِضْ أنَّ الذي قال بِفَنَاءِ النار - وحاشاه من ذلك - أبو بَكْرٍ، وهو أَفْضَلُ من شيخ الإسلام أَلْفَ مَرَّةٍ؛ هل نقبله مع وجود الآيات؟
لا نقبله؛ فإذا وَجَدْنا قولًا مُخالِفًا للكتاب والسُّنَّة من أي قائلٍ به، فإنَّ مَوْقِفَنا أن نَعْتَذِرَ عنه، لا أن نَجْعَلَ قَوْلَه حُجَّة على كلام الله ورسوله، مهما كان؛ فليس هناك أحا مَعْصومًا من الخطأ أبدًا إلا من عَصَمَه الله عَزَّ وجَلَّ كالرُّسُل.
(١) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ}، رقم (٧٤٥٣)، ومسلم: كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى، رقم (٢٧٥١)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.