الفائِدَة الثانية: قوَّةُ الانتباه؛ لأنَّ الآية إذا كان فيها شيءٌ مَحْذوف، فإن الذِّهْنَ يتطَلَّعُ إلى هذا الشَّيْء المحْذوفِ، فتَجِدُ الإنسانَ يَتَوَقَّف ليُفَكِّرَ ويتأمَّل: ما الذي حُذِفَ وما تقديره؟
لكن لو جاء الكلام مُرْسَلًا هكذا لم يحصل له هذا التَّوَقُّف وهذا التَّفكير، فأنت الآن لو قَرَأْتَ الآية الكريمة:{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ}[الزمر: ٩] لوَجَدْتَ نفسك متشَوِّفًا إلى شيء آخر، فالكلام ما تَمَّ، ولا بدَّ أنَّ هناك شيئًا آخَرَ، وحينئذٍ يشتَدُّ انتباهُكَ، وتزدادُ تأمُّلًا في المعنى؛ ولأنَّ هذا المحذوفَ لا بدَّ منه، فالإنسانُ يتطلَّع: ما هذا المحذوفُ؟ فالكلامُ الآن ناقص.
بمعنى أنَّ الكلام يحتاجُ إلى شيء، فيتطَلَّع الإنسان إلى مَعْرِفَة هذا الشَّيْء، وحينئذٍ يزدادُ في التَّدَبُّر، فهذا من بلاغة القرآن؛ أعني: يَحْذِفُ الله عَزَّ وَجَلَّ أحيانًا أشياءَ يَحْتاجُ المخاطَبُ إليها؛ من أجل هاتين الفائدتين.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ:[وفي قراءة: أَمْ مَنْ] من اصطلاح المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ أنه إذا قال: [في قراءَةٍ] أو قال: [بِفَتْحِ كذا وضَمِّ كذا] أو قال: [بالتاء والياء]، فإن القراءة سَبْعِيَّة، وأحيانًا يُعَبِّر فيقول:[وقُرِئَ] فالقراءة شاذَّة غيرُ سَبْعِيَّة.
فإذا أتى بقراءتينِ مُتَساويَتَيْنِ مثلًا يقول:[في قراءةٍ] أو: بالضم والفتح أو بالياء والتاء، وما أشبه ذلك من القراءات، فالقراءة سبعية، أما إذا قال:[وقُرئ] بصيغة المبني للمَجْهول فالقراءة شاذَّة.
بناءً على هذه القاعدة: تكون القراءة (أَمْ مَنْ) سبعية؛ لأنَّه قال: [وفي قراءةٍ: