مقارِنَةٌ لقوله:{سَاجِدًا وَقَائِمًا} يعني: حالَ كَوْنِه في سجوده وقيامه يَحْذَرُ الآخرة؛ أي: يخافها، وليس: يخاف وقوعها؛ لأنَّ وقوعَها لا بدَّ، لكن يخاف عذابَها؛ أي: يخاف أن يُعَذَّب.
وقوله تعالى:{وَيَرْجُو رَحْمَةَ} يقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [جَنَّةَ {رَبِّهِ}] ولا شكَّ أنَّ الرحمة يُراد بها الجَنَّة، كما قال الله تعالى للجنة:"أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ"(١)؛ ولكن يُرادُ بالرَّحْمَة معنًى آخرُ، وهو: فِعْلُ الله بالعبد؛ أي رحمته للعبد، والأَوْلَى في هذه الآية أن نقول: يرجو أن يَرْحَمَه الله، ويكون المراد بالرحمة هنا: رَحْمة الله التي هي فِعْلُه، يعني يرجو أن يَرْحَمَه الله بالأمرين: بالنَّجاة من النار وبِدُخُول الجنَّة، وهذا المعنى أحْسَنُ؛ لأنَّ المتبادِرَ في الغالب لمعنى الرَّحْمة أن تكون فِعْلَ الله، يعني أنَّ الله يَرْحَمُكَ، وأيضًا إذا قلنا: رَحْمَة الله صار يرجو أن يَنْجُوَ من النَّار أو من عذاب الآخرة، وأن يفوز بالجنَّة.
وقوله تعالى:{وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} قال رَحِمَهُ اللهُ: [كَمَنْ هُوْ عاصٍ بالْكُفْرِ أو غَيْرِهِ] أفادنا المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ بهذا التقدير أنَّ الآيَةَ يُبَيَّنُ الله فيها أنه لا يستوي هذا وهذا، هل يستوي من هو قانتٌ آناءَ اللَّيل ساجدًا وقائمًا كَمَنْ هو عاصٍ بالكُفْرِ وغيره؟
الجواب: لا، وهذا من بلاغَةِ القرآن؛ فالقرآنُ فيه أشياءُ كثيرةٌ تُحذَفُ لدَلالَةِ المذكور على المحذوفِ، وهذا من البلاغة؛ لأنَّه إذا حُذِفَ الشَّيْءُ استفاد المخاطَبُ فائدتينِ:
الفائِدَة الأولى: اختصارُ الكلام، وهذا واضِحٌ.
(١) أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}، رقم (٤٨٥٠)، ومسلم: كتاب الجنة، باب النار يدخلها الجبارون، رقم (٢٨٤٦)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.