للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قال قائِل: قول الله تَبَارَكَ وَتَعَالى: {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ} هل يَقصِد بالمِيتَتَيْن: الموت في الدنيا حين المَنام، والموت في الأُخرى في يوم القِيامة؟

فالجَوابُ: لا يَصِحُّ؛ لأن مِيتة الدُّنيا في المَنام ليسَت هي مرَّتَين، ولا ثلاثًا، ولا أربعًا، ولا مِئة، الإنسان في الشَّهْر يَنام على الأقل ثلاثين مرَّةً {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} [الأنعام: ٦٠] فإذا بعَثَنا من مِيتة الليلة البارِحة جاءَتِ اللَّيْلة الثانية، مِتْنا ثانيةً، والتي وراءَها، والَّذي يَنام بعد صلاة الفجر، والذي يَنام في القَيْلولة، والذي يَنام بعد العَصْر، أربَع مِيتات في يوم واحِد.

والذُّنوب جَمعْ ذَنْب وهو: المَعصية، والمُراد بها هنا الكُفْر، كما قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [بكُفْرنا بالبَعْث {فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ} من النار]، و (هل) هنا للتَّمنِّي، يَعنِي أننا نَتمنَّى الخُروج من النار ولكنه لا يَحصُل لهم ذلك.

قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ} من النار والرُّجوع إلى الدُّنيا لنُطيع رَبَّنا {مِنْ سَبِيلٍ} من طَريق؟ وجوابُهم: لا] وهذا من المفَسِّر بِناءً على أن الاستِفْهام على بابه، أنهم يَسأَلون: هل لنا من طَريق فنَخرُج؟ أمَّا على ما قُلنا: إنه للتَّمنِّي فلا يَحتاج إلى جَواب، فهو كقوله: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [الأعراف: ٥٣].

من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

الْفَائِدَةُ الأُولَى: إثبات اعتِراف هَؤلاءِ المُكذِّبين بأنهم كفَروا بالله، وأنهم مُستَحِقُّون لهذا العِقابِ.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: إقرار الكُفَّار بما كانوا يُنكِرونه من قبلُ من البَعْث، وهذا مَعنى قوله: {فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا}.

<<  <   >  >>