للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ} هَؤلاءِ القَوْمُ الأشِدَّاء الذين لهم من الآثار ما يُبهِر العُقول، أخَذَهم الله بذُنوبهم، أَهلَكَهم بسبب ذُنوبهم، وذُنوبهم مكَوَّنَةٌ من شَيْئين: التَّكذيب والتَّولِّي، فهُمْ مُكذِّبون للخبَر، مُتَولُّون عن الأمر، فكَذَّبوا الأخبار، وخَالَفُوا الأوامِر، وقَعوا فيما نُهوا عنه، وترَكوا ما أُمِروا به، وكذَّبوا ما يَلزَمهم تَصديقه {فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ} والباء هنا للسَّببية.

وقوله: {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ} (مَا) نافِية و (مِن) مُتعلِّقة بـ {وَاقٍ}، و {وَاقٍ} اسمُ (كان) دخَلَت عليه (مِن) الزائِدة للتوكيد، وأصل (واقٍ): واقِي، فحُذِفت الياء للتَّخفيف؛ أي: ما كان لهم من أحَد يَقيهم من عَذاب الله.

حتى إنَّ ابنَ نُوحٍ عليهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لم يَقِهِ من عذاب الله قُربُه من نوح، ولا دُخوله في العُموم؛ لأن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ذكَر أنَّه مُنَجِّيه وأهلَه -أَعنِي: نوحًا- فلمَّا أَرسَل الله عليهم الغرَق، دعا ابنه أن يَركَب معه في السفينة، ولكنه أبى، وقال: {سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} [هود: ٤٣] فغَرِقَ، وقال نوحٌ: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: ٤٥] وقَدْ وعَدَه الله أن يُنجِّيَه وأهلَه، فقال الله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: ٤٦] , فلم يَقِ هذا الابنَ قُربُه من أبيه أحَدِ أُولِي العَزْم من الرُّسُل، ولكنه هلَك فيمَن هلَكَ، كما قال تعالى هنا: {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ}.

من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

الْفَائِدَةُ الأُولَى: الحَثُّ على السير في الأرض، لقوله: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا} بِناءً على أنَّ الاستِفْهام هنا للإنكار والتوبيخ.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ السير في أرض المُكذِّبين، وبَيان ما أَحَلَّ الله بهِم من النَّكال،

<<  <   >  >>