للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مُنكِرِي البَعْث: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ابتِداءً {أَكْبَرُ} من خَلْق الناس مرَّة ثانِيةً] فقَيَّد خَلْق الناس بالمرَّة الثانية [وهي الإِعادة] بِناءً على أن الآية نزَلَت في مُنكِري البَعْث، والصَّواب أن الآية نزَلَت فيما هو أَعَمُّ، نزَلَت في مُنكِرِي البَعْث وفي بَيان قُدْرة الله عَزَّ وَجَلَّ.

وعلى هذا فنَقول: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ابتِداءً {أَكْبَرُ} من خَلْق الناس ابتِداءً وإعادةً {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [أي: كُفَّار مَكَّةَ، {لَا يَعْلَمُونَ} وفي هذا التَّفسيرِ قُصور؛ لأن أكثَرَ الناس أعَمُّ من كونهم من مكَّةَ أو غيرهم {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}، لأنهم لا يَتَفَكَّرون في خَلْق السَّمَوات والأرض فهُمْ جاهِلون لا يَعلَمون.

من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

الْفَائِدَةُ الأُولَى: في هذا إثبات أن السَّمواتِ والأَرْضَ أَعظَمُ من البَشَر وهذا واضِحٌ، بل إن البَشَر جُزْء من الأرض؛ لأنهم خُلِقوا من طين.

الْفَائِدَةُ الثانِيَةُ: إقامة الحُجَّة على مُنكِر البَعْث بأنكم إذا أَقرَرْتم بأن الله خالِق السَّمَوات والأرض؛ لزِمَكم أن تُقِرُّوا بأنه قادِر على خَلْق الناس، لأن مَن قَدَر على الأَعْظم فهو على ما دونَه أقدَرُ، وقد أَقام الله أيضًا أدِلَّة كَثيرةً على إثبات البَعْث منها هذه الآيةُ، وهي الاستِدْلال بالأَعظَم على الأدنى، ومنها قولُه تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: ٢٧]، {وَهُوَ} الضمير يَعود على الإعادة {أَهْوَنُ عَلَيْهِ} من الابتِداء وهذا شيء مَعلوم بالحِسِّ وبالعَقْل.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إثبات البَعْث، وجهُ الدَّلالة قولُه: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}؛ لأن المَقْصود من الآية تَقرير البَعْث.

<<  <   >  >>