للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهي - أي: "لا" النافية للجِنْس - نَصٌّ في العموم؛ أي: أنها دالَّة على العُموم بالنَّصِّ، فيَكون {لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ}؛ أي: لا ظُلمَ واقِعٌ من الله، ولا ظُلمَ واقِع من الخَلْق بعضِهم لبعض، بل كلُّ واحِد من الخَلْق يَفِرُّ من الآخَر، لا ظُلمَ اليومَ.

وقوله: {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}؛ أي: سَريع مُحاسَبة الخَلائِق على أعمالهم، وبيَّن المفَسِّر - رَحِمَهُ اللهُ - هذه السُّرعةَ فقال: [يُحاسِب جميع الخَلْق في قَدْر نِصْف نَهار من أيام الدُّنيا؛ لحَديث ورَد في ذلِكَ] يُحاسِب جميع الخَلائِق كلهم في مِقدار نِصْف يوم، لكن من أيام الدُّنيا. هذا يَحتاج إلى تَحقيق؛ لأنَّ يوم القِيامة يوم مِقْداره خَمْسون ألفَ سَنَةٍ، يَفرَغ الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - من حِساب الخلائِق في نِصْف ذلك اليَوْمِ؛ ولهذا قال الله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: ٢٤]، ومَعلوم أن القَيْلولة تَكون في نِصْف النهار، وهذا يَدُلُّ على أنَّه لا يَنتَصِف النَّهار إلَّا وقد فرَغَ الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - من حِساب الخَلائِق، وصار كلُّ واحِد إلى ما آلَ إليه، لكن هل هو كيَوْم الدُّنيا، أو هو يوم القِيامة الذي مِقْداره خَمْسون ألفَ سَنَةٍ؟

فإن قال قائِل: ما هو الدليل على أن الله يُحاسِب الناس في نِصْف يَوْم؟

فالجَوابُ: أوَّله أَحاديثُ ورَدَت في هذا، والثاني قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: ٢٤] قال: {يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} والمَقيل لا يَكون إلَّا في نِصْف النَّهار بأَطرافه.

من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

الْفَائِدَةُ الأُولَى: إثبات الجَزاء؛ لقوله: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ}.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن كَمال الجَزاء يَكون ذلك اليومَ، وذلك أن الجَزاء قد يَكون

<<  <   >  >>