قوله:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ} والنِّداء: هو الكَلام من بعيد، والمُناجاة الكَلام من قَريب، ولم يُبيِّنِ الله تعالى مَن يُناديهم، لكن المفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ قال:[من قِبَل المَلائِكة]، وذلك عند دُخولهم النار، وهم يَمقُتون أنفسهم في ذلك الوقت أكبَرَ مَقْتٍ - والمَقْت: هو أشَدُّ البُغض -، فهم في ذلك الوقتِ عند دُخولهم النار يُبغِضون أنفسهم بُغضًا شديدًا؛ حيث لم يَتَوصَّلوا إلى النَّجاة منها، فيُنادَوْن فيُقال لهم:{لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} اللَّام هنا لام الابتِداء، وتَدخُل على المُبتَدَأ تَوْكيدًا.
وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{لَمَقْتُ اللَّهِ} إيَّاكم]، هذا أحَد الوَجْهين في الآية، وعلى هذا فيَكون المَقْت مُضافًا إلى فاعِله لا إلى مَفعوله، يَعنِي: لبُغُض الله إيَّاكم أشَدُّ من بُغْضكم أنفُسِكم، وقيل: إنه مُضاف إلى مَفعوله لا إلى فاعِله، وعلى هذا يَكون المَعنَى: لمَقتكمُ الله حين تُدْعَوْن إلى الإيمان أكبَرُ من مَقْتكم أنفسِكم اليومَ، أي: أنهم كرِهوا ما دُعُوا إليه في الدُّنيا من مَحبَّة الله، وأُبدِلوا ذلك بأشَدِّ البُغض، وهذا المَعنى أَقرَبُ ممَّا مشَى عليه المفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{لَمَقْتُ اللَّهِ} إيَّاكم]، وعلى ما رجَّحْنا يَكون المعنى: لمَقتكم الله، فهو مُضاف إلى مَفعوله.