للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الله تعالى: {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ} أي: إلَّا في خَسارة، و (ما) هنا حِجازية مُهمَلة، يَعنِي: أنها لا تَعمَل، والذي أَبطَل عمَلها الإثبات، وابنُ مالِكٍ يَقول:

إِعْمَالُ لَيْسَ أُعْمِلَتْ مَا دُونَ إِنْ ... مَعَ بَقَا النَّفْيِ ........... .. (١)

والنفيُ هنا لم يَبقَ؛ ولهذا نَقول: هي مُهمَلة لبُطلان النَّفيِ وانتِفائه بـ (إلَّا).

من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:

الْفَائِدَةُ الأُولَى: استِعْلاء فِرعونَ وتَرفُّعه، وذلك بتَوْجيه الأمر إلى وَزيره أن يَبنِيَ له صرحًا، وتَأمَّل قوله: {ابْنِ لِي} ولم يَقُل: ابنِ؛ لأن هذا أَعظَمُ في التَّرفُّع والتَّعاظُم؛ إذ لو قال: ابْنِ. لكان لأيِّ أَحَد يَبنِي؟ ففيه إبهام، لكن إذا قال: لي؛ دلَّ هذا على أنه استَخْدَم هذا الرجُلَ الذي هو الوزير استِخْدامًا تامَّا.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن اتِّخاذ الوُزَراء كان عُرْفًا قديمًا، سواءٌ كان وزيرًا في الخير أو وزيرًا في الشرِّ، فمِن وُزراء الخير قول موسى عليه الصلاة والسلام: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (٢٩) هَارُونَ أَخِي} [طه: ٢٩، ٣٠]، وقول عليِّ بن الحُسَيْن بن عليِّ بن أبي طالب - رضي الله عنهم - حين سأَله زُعَماء الشيعة -وهم الرافِضة- عن أبي بَكْر وعُمرَ - رضي الله عنهما -، فتَرحَّم عليهما، وقال في الثَّناء عليهما: هُما وَزيرَا جَدِّي (٢). يَعنِي: النَّبيَّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فرَفَضوه؛ لأنهم قد زُيِّن لهم سُوء عمَلهم بأن كل من أَحبَّ أبا بكر وعُمرَ فقد أَبغَضَ عليًّا، وعلى هذا يَكون النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُبغِضًا لعَليٍّ؛ لأنه سُئِل: أيُّ الرجال


(١) الألفية (ص: ٢٠).
(٢) انظر: لوامع الأنوار البهية للسفاريني (١/ ٨٥).

<<  <   >  >>