هذا لازِم، وقال تعالى:{فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ}[التوبة: ٨٣] , هذا مُتعَدٍّ، فلا مانِعَ من أن يَكون الفِعْل الواحِد لازِمًا في سِياق ومُتعدِّيًا في سِياق آخَرَ، ومن ذلك "أَبانَ".
فهل قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى:{وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} مَعناها بَيِّن، أو مُبين مُظهِر للحَقِّ؟ نَنظُر أيُّهما أبْلَغُ البَيِّن في نَفْسه، أو المُبِين لغَيْره؟
الجوابُ: الثاني؛ لأنَّ المُبِين لغيره لا بُدَّ أن يَكون بيِّنًا في نفسه، وعلى هذا فكلِمة {مُبِينٍ} من المُتعدِّي، تكون أَشمَلَ وأَوسَعَ مَعنًى، وما كان أَوسَعَ وأَشمَلَ مَعنى فإنه يُؤخَذ به، ولا نَقول: يُترَك الثاني؛ لأنَّ الثانيَ داخِل في الأوَّل.
من فوائد الآيةِ الكريمةِ:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: تَأكيد رِسالة موسى عَلَيه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بالمُؤكِّدات الثلاثة التي ذكَرْناها آنِفًا. {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا}.
وَيتفرَّع على هذه الفائِدةِ: إقامة الحُجَّة على بني إسرائيلَ، الَّذين كفَروا واعتَدَوْا مع أنَّ الله قد أَرسَل إليهم هذا الرسولَ الكَريمَ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يُكرِّر ذِكْر قِصَّة موسى، ويَبسُطها تارَةً، ويَختَصِرها تارَةً، ويُنوِّعها، فهي جمَعَت بين الكَثْرة والتَّنويع من حيث الأُسلوب، والتَّنويع من حيثُ البَسْط والاختِصار؛ لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عاش في قوم مُشرِكين أوَّل الرِّسَالة، وفي قوم يَهود بعد الهِجْرة؛ ولهذا جاءَتِ السُّوَر المَكِّية يُذكَر فيها قِصة موسى ببَسْط واختِصار تارة؛ لأَجْل أَنْ يَتهيّأ النَّبيُّ- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لمُجَادَلة اليَهود الذين سَتكُون الِهجرة إلى بلَدٍ هُم سَاكِنون فيه؛ ولهذا لا تَجِد قِصَّة نبيٍّ مثل قِصة مُوسى عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لا في تَنوُّعها، ولا في تَكرارها، ولا في أُسلوبها.