للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} يَعنِي: قبل أن نُريَنَّك {فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} وسنُريك بهم، هذا تَهديد عظيم. وقوله: {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} هذه مَعطوفة {نُرِيَنَّكَ} وهي قَسيم قوله: {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ} يَعنِي: إمَّا أن ترى العَذاب قبل مَوْتك، وإمَّا أن نَتَوفَّاك ثُم نُعذِّبهم بعد الرجوع إلينا، وهذا أشَدّ، فإن عَذاب الآخِرة أشَدُّ وأَبقَى، ولهذا جاء في الحَديث: "إِنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ شَخْصًا عَجَّلَ لَهُ بِالْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا" (١) عُوقِب في الدنيا بماله أو بدَنه أو أَهْله أو مجُتَمَعه، وإلَّا ترَكه حتى يُوافَى به يوم القِيامة، نَسأَل الله أن يَقيَنا وإيَّاكم عَذاب الدُّنيا والآخِرة، وَيرزُقنا العافِية.

قال المفَسِّر: [{أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} فنُعذِّبهم أشَدَّ العَذاب، فالجَواب المَذكور للمَحذوف فقَطْ]، أين المَحذوفُ {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} يَعنِي: إذا تَوفَّيْناك فإلينا يُرجَعون.

من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

الْفَائِدَةُ الأُولَ: وُجوب الصَّبْر، لأن الله تعالى أَمَر به في قوله: {فَاصْبِرْ} ووجهُ كَوْنه واجِبًا: الأصل في الأَمْر الوجوب، وهذه المَسأَلةُ اختَلَف فيها الأُصوليون: هل الأَصْل في الأَمْر في كِتاب الله وسُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - الوُجوب أو الأَصْل النَّدْب؟ إن قُلْنا: الأصل الوُجوب كان هذا المأمورُ به فلزَمًا به، وإذا قلنا: النَّدْب؛ صار الإنسان بالخِيار: إن فعَله فهو خَيْر، وإن ترَكه فلا شَيءَ عليه.

وهذا محَلُّ إشكال في الواقِع: عند التَّطبيق، وعند التدليل أيضًا فيه نظَر.


(١) أخرجه الإمام أحمد (٤/ ٨٧)، وابن حبان رقم (٢٩١١)، من حديث عبد الله بن المغفل - رضي الله عنه -. وأخرجه الترمذي: كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، رقم (٢٣٩٦)، من حديث أنس - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>