للإضلال أَضَلَّه -والعِياذُ بالله- وإلَّا فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى لا يَحرِم فَضْله مَن أَراده، إنما يَحرِم فَضْله مَن لم يُرِده، ودليلُ هذا قوله تعالى:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[الصف: ٥]، فجعَل إزاغة الله لقُلوبهم مُترتِّبًا على زَيْغهم، أمَّا مَن أَراد الهُدَى بجِدٍّ، فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى يُيسِّره له: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: ٥ - ٧].
إِذَنْ: قوله: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} مُقيَّد بمَن فعَل ما يَقتَضِي إضلاله؛ لأن الله لا يُضِلُّ أحَدًا إلَّا لحِكْمة.
من فوائِدِ الآيتين الكريمتين:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: أنَّ هذا المُحذِّر كان مُؤمِنًا باليَوْم الآخِر.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ ما يَحدُث في اليوم الآخِر كان مَعلومًا للناس من قبل أن يَنزِل القُرآن؛ لقوله:{يَوْمَ التَّنَادِ} وذلك لأن هذا أَمْر لا بُدَّ منه، أي: لا بُدَّ أن يَعلَم العِباد ما يَحدُث في اليوم الآخِر، ليَكونوا على بَصيرة من أمرهم.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن يوم القِيامة له أحوال، فقد قال الله تعالى في سورة طه:{وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا}[طه: ١٠٨]، وهنا يُذكَر أنه يوم تَنادٍ، والنِّداء هو الصوت الرفيع، وعلى هذا فيَكون الجَمْع بين هذه الآيةِ، وبين قوله:{وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} هو أن يوم القِيامة له أحوال؛ لأن يوم القِيامة مِقدارُه خَمْسون ألفَ سَنَةٍ، فلا بُدَّ أن تَتَغيَّر أحوال الناس.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: نُصْح هذا الرجُلِ لقَوْمه، حيث يُناديهم بهذا النِّداءِ اللَّطيف {وَيَاقَوْمِ} ثُم قال الله تَبَارَكَ وَتَعَالى: مُكمِّلًا لما ذكَره هذا المُحذِّرُ: {يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} هذه مَعروف أنَّ إعرابها بدَل مِمَّا سبَق، ففيها إثبات أنَّ آل