للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والخاصَّة، ربِّي هذه رُبوبية خاصَّة وربكم ربوبية الله لفِرعونَ وقومه من الربوبية العامَّة.

وقوله تعالى: {مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} وهذا الوَصْفُ يَنطَبِق تمَامًا على فِرعونَ، فهو مُتكَبِّر طاغٍ عاتٍ عالٍ، والمُتكبِّر هو المُترفِّع كِبرياءً عن الحقِّ، وعلى الخَلْق، لأن الكِبْر إمَّا عن الحقِّ وإمَّا على الخَلْق؛ لقول النبيِّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "الْكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ" (١) "بَطَرُ الحَقِّ" يَعنِي: احتِقارَه وازدِراءَه، وهذا التَّكبُّرُ عن الحقِّ، و"غَمْطُ النَّاسِ" يَعنِي: احتِقارهم، وهذا التَّكبُّر على الخلْق، وإذا اجتَمَع في قَلْب المَرْء تكبُّر على الخلْق، وتكبُّر عن الحقِّ فهو الهالِك، والعِياذ بالله.

وقوله: {لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} يَعنِي: يوم القِيامة، وعدَل عن قوله يوم القِيامة إلى يوم الحِساب؛ لأن الحِساب أشَدُّ خَوْفًا من يوم القِيامة، إذا قِيل للإنسان: إنك سَوْف تُحاسَب على ما عمِلْت من خيرٍ وشَرٍّ؛ فإنه سوف يَخاف وَيوجَل ويَستَقيم.

وإنَّما ذكَر الحِساب دون القِيامة؛ لأنه أشَدُّ تَخويفًا؛ فإن الإنسان إذا عَلِم أنه سيُحَاسَب على عمَله، فسَوْف يَرتَدِع عن المَعاصِي، ويَقوم بالأَوامِر.

من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

الْفَائِدَةُ الأُولَى: قُوَّة موسى عليهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وصَراحته؛ حيث أَعلَن أمام مُهدِّديه بالقَتْل بأنه عاذَ بالله ربِّه وربِّهم؛ لقوله: {إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ} [غافر: ٢٧].

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: قوَّةُ تَوكُّله عليهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، حيث اعتَمَد على الله أمام هذا الطاغِيةِ


(١) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، رقم (٩١)، من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>