للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تَكون (ما) استِفْهامية والمَعنى: فما الذي أَغنَى عنهم ما كَسَبوا، والاستِفْهامية أَبلَغُ، لأنها تَتَضمَّن النَّفيَ مع التَّحدِّي؛ أي: أي شيء أَغنَى عنهم كَسْبهم حين دمَّرَهم الله؟

إن كانت نافِية فالمَعنَى: ما أَغنَى عنهم كَسْبهم شيئًا، وإن كانت استِفْهامية، فالتَّقدير: ما الذي أَغنَى عنهم ما كانوا يَكسِبون، ونظيرُ ذلك قوله تَبَارَكَ وَتَعَالى: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء: ٢٠٥ - ٢٠٧]؛ أي: أيُّ شيء أَغنَى عنهم، أو أن المَعنَى نَفيُ الإِغْناء.

من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

الْفَائِدَةُ الأُولَى: الحثُّ على النظَر في أحوال الأُمَم السابِقة، يُؤخَذ من قوله: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} وَجهُ الدَّلالة أن الله وبَّخَهم على عدَم السَّيْر.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن السَّيْر في الأرض بالقدَم إذا لم يَصحَبْه النظَر والاعتِبار فإنه لا يَنفَع؛ لقوله: {يَسِيرُوا} {فَيَنْظُرُوا}.

يَتفَرَّع على هذا: ما يَفعَله كثير من الناس اليومَ من السَّيْر إلى ديار ثَمودَ؛ حيث يَسيرون بأَبْدانهم، لكن لا يَسيرون بقُلوبهم، ولا يَعتَبِرون، بل يَذهَبون إلى هُنالِك للاطِّلاع على مَآثِر القَوْم، بل على آثار القَوْم الدالَّة على قُوَّتهم، وهذا لا يَجوز، الواجِب على مَن سار إلى تِلك الدِّيارِ أن يَدخُلها وهو باكٍ؛ لقول النبيِّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوهَا" (١) ولا يَنفَع التَّباكي؛ لقَوْله: "فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوهَا"، ولم يَقُل: فتَباكَوْا.


(١) أخرجه البخاري: كتاب المغازي، باب نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - الحِجر، رقم (٤٤١٩)، ومسلم: كتاب الزهد والرقائق، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، رقم (٢٩٨٠)، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.

<<  <   >  >>