للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المُهِمُّ: أنه لا بُدَّ لكل نَبيٍّ من آية يُؤمِن على مِثْلها البَشَر؛ لأنَّ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى حكيمٌ ورحيم؛ حَكيم لا يُرسِل شخصًا إلى الناس يَقول: أنا رَسولٌ. بدون بيِّنة، ورحيم حيث أيَّدَ هؤلاءِ الرُّسُلَ بالآيات من وَجْه، ورحِمَ الخَلْق فجعَل مع الرُّسُل آياتٍ؛ من أَجْل أن تَكون حُجَّة الرُّسُل مَقبولة لدَيْهم.

قوله: {تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا} الفاء عاطِفة، وتَدُلُّ على مُبَادَرة هؤلاء بالكُفْر، وأنهم لم يَتَأمَّلوا ولم يَنظُروا، وجه ذلك أنَّ الفاء تَدُلُّ على التَّرتيب والتَّعقيب، {فَكَفَرُوا}؛ أي: بالرُّسُل وبالبَيِّنات التي جاؤُوا بها، {فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ}؛ أي: أَهلكهم، {إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ} أَهلَكهم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بعامة إلَّا مَن آمَنَ.

ثم بَيَّنَ أنَّ هذا الأَخْذَ شديد؛ لقوله: {إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ} قوِيٌّ أزَلًا وأبَدًا، فلم يَسبِق قوَّته ضَعْف، ولا يَلحَقها ضَعْف، أمَّا البَشَر فإنَّهُم ضُعَفَاءُ أوَّلًا ونِهايةً، ومُنتَهى قُوَّتهم أيضًا ليس بشيء، حتى وإن بلَغ الإنسان أشُدَّه وبلَغ غاية قوَّتِه، فإنه ليس بشيء، أمَّا الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ فإنه قوِيٌّ أزَلًا وأبدًا.

{شَدِيدُ الْعِقَابِ} هذا من باب إضافة الصِّفة إلى مَوْصوفها، المَعنَى عِقابه شَديد، الشديد يَعنِي: الصُّلْب القوِيُّ الذي تَحصُل آثاره على مَن عُوقِب.

من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

الْفَائِدَةُ الأُولَى: بَيانُ سبَب إهلاك الأُمَم، وأنَّ ذلك بذُنوبهم؛ لقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ}.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: إثبات عَدْل الله عَزَّ وجَلَّ وأنه لا يُؤاخِذ أحَدًا بدون ذَنْب؛ لقَوْله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ}.

<<  <   >  >>