للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليس المَعنَى، بل المَعنَى: وأنا أُفوِّض أَمْري إلى الله، فالواو هنا للاستِئْناف، أُفوِّضه إلى الله؛ أي: أَكِلُه إلى الله عَزَّ وَجَلَّ.

وقوله: {أَمْرِي} هذا مُفرَد مُضاف يَعُمُّ والمُراد به الشَّأْن، أي: شَأْني كلَّه، {إِلَى اللَّهِ}، وهذا غاية ما يَكون من التَّوكُّل، وسيَأتِي -إن شاء الله- في الفَوائِد.

وقوله: {إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} هذه الجُملةُ التَّعْليلية للحُكْم السابِق، وهو قوله: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} كأن قائِلًا يَقول: لماذا فوَّضَ أَمْره إلى الله؟ فأَجابَ بأن الله تعالى بَصير بالعِباد.

وقوله: {بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}؛ أي: بأَحْوالهم، وحاضِرهم ومُستَقبَلهم، وجميع شُؤُونهم، فهو جَلَّ وَعَلَا يَعلَم ما بين أيديهم وما خَلْفهم، يَعلَم كل أحوالهم.

قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [قال ذلك لمَّا تَوعَّدوه بمُخالَفة دِينه] يَعنِي: كأنهم تَوعَّدوه، فقال: أُفوِّض أَمْري إلى الله. ولكِن التَّوعُّد ليس في الآية دَليل عليه، والظاهِر -واللهُ أَعلَمُ- أنه لم يَقُل ذلك حين تَوعَّدوه، ولكنه قال ذلك حين أَيِسَ من أن يَمتَثِلوا لنَصيحته، فقال كالمُودعِّ لهم: {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ}، وأمَّا أنا فأُفوِّض أَمْري إلى الله؛ لأني قُمْت بما يَلزَمُني من نصيحة، وهذا أكثَرُ ما يَجِب علَيَّ.

من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

الْفَائِدَةُ الأُولَى: بَيانُ تَحذير هؤلاء الذين يَنصَحُهم المُؤمِن بأنهم سوف يَذكُرون كلامه، ويَعرِفون أنه الحقُّ، لكن ذلك في حال لا تَنفَعُهم هذه الذِّكْرى.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: قُوَّة تَوكُّل المُؤمِن حيث قال: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ}، وهكذا يَجِب على كُلِّ مُؤمِن إذا أَراد أن تُقضَى أُموره وتُسهَّل فلْيُفوِّض أمرَه إلى الله؛ لأن الله

<<  <   >  >>