للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَحدودًا]، والمُسمَّى بمَعنى: المُعيَّن، وهو بمَعنَى: المَحدود {وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}؛ أي: تَكونوا من ذَوِي العُقول، وتَفهَموا حِكْمة الله عَزَّ وَجَلَّ في تَقديره وتشَريعه.

فأَنْتُم تَرَوْن الآنَ أن القَدَر يَكون فيه المُقدَّر شيئًا فشيئًا حتى يَكمُل، وهكذا الشَّرْع تَكون فيه الشرائِع شيئًا فشيئًا حتى تَكمُل، وهذه من سُنَّة الله تعالى الكونية وسُنَّته الشرعية؛ أن الأُمور لا تَأتِي دَفْعة واحِدة، بل تَتَطوَّر حتى تَبلُغ الكَمال، وهذا من حِكْمته البالِغة.

وقوله: {وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ليس المُراد بذلك عَقْل الإدراك، بلِ المُراد بذلك عَقْل التَّدبير والرُّشْد، لأن العَقْل عَقْلان: عَقْل إدراك تَتَوقَّف عليه التَّكاليف الشَّرْعية؛ ولهذا يُقال: من شُروط صِحَّة الصلاة العَقْل، والمُراد به عَقْل الإدراك، وعَقْل التَّدْبير والرُّشْد، وهو حُسْن التَّصرُّف؛ ولهذا نَقول: إن الكُفَّار لا يَعقِلون، مع أنهم بالنِّسبة لعَقْل الإدراك أقوياءُ أشِدَّاءُ أذكياءُ، لكن عَقْل التدبير والتَّصرُّف هم خالون منه.

قوله: {وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} في هَذه الآياتِ بيَّن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى مَنشَأ بني آدَمَ، وغاية بني آدَمَ.

من فوائد الآيةِ الكريمةِ:

الْفَائِدَةُ الأُولَى: بَيانُ أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى هو الذي خلَقَنا وحدَه، وأنه لا خالِقَ إلَّا الله، وقد قال الله عَزَّ وَجَلَّ في سورة الطُّور: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: ٣٥] جوابُنا أنه لم يَخلُق من غير شيء، وليس هُمُ الخالِقين، إِذَنْ فلَهُم خالِق.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: بَيان أن أصل بني آدَمَ هو التُّراب، لقوله: {مِنْ تُرَابٍ} والتُّراب

<<  <   >  >>