للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحَقِّ يَعنِي: رَدُّه، وعدَم الإذعان له. وغَمْط الناس يَعنِي: احتِقارُهم، فيَرَى نفسه أنه فوقَ الناس، هذا هو الكِبْر -والعِياذ بالله- ومَعلومٌ أنَّ مَن غمَطَ الحقَّ وازدَراه فإنَّه لا يَأخُذ به، إِذْ كيف يَأخُذ بشيءٍ يَرَى أنَّه نقيصة، وكذلك مَن غَمَطَ النَّاسَ فإنه لا يَعْدِل فيه، بل يُعامِلهم بالكِبْرياء -والعِياذُ بالله- فيَكون الطَّبْع حقيقًا بمِثْل هذا القَلْبِ، وقد أَخبَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه لا يَدخُل الجَنَّة مَن في قَلْبه مِثْقال حَبَّة خَرْدَل من كِبْر (١).

من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

الْفَائِدَةُ الأُولَى: كراهةُ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للذين يُجادِلون في آيات الله لأَجْل إبطالها؛ لقوله: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ}.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّه لا سُلْطانَ لكل إنسان جَادَل لإِدْحاض الحَقِّ وإظهار الباطِل، يُؤخَذ من قوله: {بِغَيْرِ سُلْطَانٍ}.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: تَقوية قُلوب المُجادِلين بالحَقِّ؛ لأنَّ الجِدَال يَكون من طرَفَيْن؛ فالمُجادِل في آيات الله لإِبْطالها هذا لا حُجَّةَ له؛ ويَكون الخَصْم المُقابِل للآخَر يَكون له حُجَّة.

فإِذَنْ: إذا عُلِم المُجادل الذي يُريد إثبات الحَقِّ وإبطال الباطِل أنه لا سُلطانَ لخَصْمه، فإنه سوف يَقوَى قلبُه، وَيزداد ثَباتًا؛ فيُستَفاد منه بطريق المَفهوم أنَّ المُجادِل في آيات الله لإثباتها سيَكون معه السُّلْطان والقوَّة، ولكن ليس كل مَن معه حُجَّة يَستَطيع أن يَحتَجَّ بها؛ قد لا يَستَطيع، وهو يَعرِف أنه على حَقٍّ لكن لا يَستَطيع أن يجادِل


(١) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، رقم (٩١)، من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>