للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأمَّا قول المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [مِثْل إِضْلالهم] ففيه نظَر، وإن كان يَلزَم من الإضلال الطَّبْع، لكن الأحسن أن يُفسَّر بما يُطابِق العامِل، فيُقال: مِثْل هذا الطَّبْعِ يَطبَع الله.

قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{يَطْبَعُ} يَختِم]، نَعَمِ؛ الطَّبعْ بمَعنى الخَتْم؛ كأن الله جعَل على قُلوبهم غِلافًا ثُم ختَمَ عليه، كما يُختَم على الوثائِقِ، وقد أَشارَ الله إلى ذلك في قوله: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا} [النساء: ١٥٥].

قال المفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ} بالضَّلال {عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} قوله: [{يَطْبَعُ اللَّهُ} بالضَّلال] يُقال فيها كما قيل فيما سبَقَ؛ بأن المُراد يَطبَع الله بالطَّبْع على القُلوب على كل قَلْب مُتكبِّر.

وقوله: [{عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} بتَنوين قَلْب، ودونَه] على كلِّ قَلْبٍ مُتكبِّر، وعلى كلِّ قلبِ مُتكَبِّر، والفَرْق أنه على قِراءة التَّنوين يَكون التَكبُّر وَصْفًا للقَلْب، وعلى قِراءة الإضافة يَكون الطبع على قَلْب المُتكَبِّر، وليس القلبُ هو المُتكَبِّرَ، والمَعنَى واحِد؛ لأنه إذا تَكبَّر القَلْب تَكبَّرَت النَّفْس؛ لقول النَّبيِّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "أَلَّا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلَّا وَهِيَ القَلْبُ" (١).

قوله: {عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ} "قلبٍ مُتكَبِّرٍ" التَّكبُّر معناه التَّرفُّع، يَعنِي: أنَّ الإنسان يَترفَّع، وهو نوعان: تَكبُّر على الخَلْق، وتَكبُّر عن الحَقِّ. وإلى هذا يُشير قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "الْكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ" (٢) بطَر


(١) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، رقم (٥٢)، ومسلم: كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، رقم (١٥٩٩)، من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، رقم (٩١)، من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>