للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الآية (٢٩)]

* * *

* قَالَ اللهُ عَزَّ وجلَّ: {يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر: ٢٩].

* * *

قال الله تعالى: {يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ}، تَأمَّل حُسْن خِطاب هذا الرجُلِ، كان بالأوَّلِ يُنكِر عليهم: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} ولمَّا أَراد أن يَتَودَّد إليهم، وأن يُبيِّن لهم نِعْمة الله عليهم، تَلطَّف في الخِطاب فقال: {يَاقَوْمِ} وكأنه واحِدٌ منهم، وهذا اللُّطْف في الخِطَاب -في جانِب الدَّعوة- من الأمور التي أَمَر الله بها شَرْعًا، والتي يَهدِي بها الله مَن شاء من عِباده قدَرًا؛ فقَدْ قال الله لمُوسى وهارونَ: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (٤٣) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: ٤٣ - ٤٤].

ثُم إن القَدَر يُؤيِّد هذا، فكم من إنسان لانَ بسبَبِ القولِ اللَّيِّن، وكم من إنسان اعتَدَى بسبَب العُدوان في القول؛ ولهذا تَجِدُ هذا الرجُلَ من حِكْمته أنهم لمَّا هَدَّدوا موسى بالقَتْل أَنكَر عليهم علَنًا {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} ولمَّا أَراد أن يُبيِّن لهم النِّعَم وَيدعوهم إلى الحقِّ، قال: {يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ} {ظَاهِرِينَ} أي: غالِبين، عالِين على أَهْلها.

<<  <   >  >>