للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

الْفَائِدَةُ الأُولَى: أن عمَل السَّيِّئة لا يَزداد إثمًا على قَدْر السَّيِّئة؛ لقوله هنا: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا}.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنه في مَقام التَّهديد يَنبَغي أن يَبدَأ بما يَدُلُّ على التَّهديد قبل أن يَبدَأ بما يَدُلُّ على التَّرْغيب؛ لأنه هنا بَدَأ بالسَّيِّئة، ثُم أَعقَب بالصالِح.

وانظُرْ إلى قول الله تبارك وَتَعَالى في مَقام ذِكْر الأحكام الشَّرْعية قال: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: ٩٨]، ولمَّا أَراد جَلَّ وَعَلَا أن يَتَحدَّث عن نفسه ويُبيِّن كَمال صِفاته قال: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر: ٤٩، ٥٠]، فلكُلِّ مَقام مَقال.

فالإنسان يَنبَغي له أن يُرتِّب المَعانيَ حَسب ما يَقتَضيه الحال، لا يُلقِي الحَديث على عَواهِنه وفَضْل الله يُؤتيه مَن يَشاء، قد يُريد الإنسان هذا الشيءَ، ويُريد أن يُرتِّب كلامه، وأن يَبنيَه على ما يَقتَضيه الحال؛ ولكن يَخونُه التعبير، إلَّا أن الإنسان إذا استَعان بالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى واعتَمَد عليه يَسَّر له الأَمْر.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنه لا يُقبَل العمَل إلَّا إذا كان صالِحًا ولا يَنفَع صاحِبَه إلَّا إذا كان صالِحًا، وذكَرْنا أن الصالِح مَن اجتَمَع فيه شُروط القَبول، وهُما الإِخْلاص والمُتابَعة؛ فبِفَقْد الإخلاص يَكون الإنسان مُشرِكًا، وبفَقْد المُتابَعة يَكون الإنسان مُبتَدِعًا؛ ولهذا لا يُقبَل العمَل إلا الخالِص المُوافِق للشَّرْع، فبفَقْد الإخلاص يَقَع الإنسان في الشِّرْك، وبفَقْد المُتابَعة يَقَع الإنسان في البِدْعة.

والأوَّل أشَدُّ، وقد يَكون الثاني حَسب المُخالَفة، لكن الشِّرْك من حيثُ هو

<<  <   >  >>